مع نهاية عام 2024م، كثّفتُ من متابعة أخبار التقدّم الرقمي -خصوصا في قطاع الذكاء الاصطناعي- بسلطنة عُمان وتحليل تقدمها في هذا الحقل المهم، وبدون مبالغة، أستطيع أن أؤكد أننا نسير في طريق تقني ورقمي فاق التوقعات التي كنت أتصورها في عام 2023م؛ فخط سير سلطنة عُمان الرقمي محدد بعناية في مسودة برنامجها الوطني للذكاء الاصطناعي الذي تشرف على تنفيذه وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع معظم القطاعات الحكومية المرتبطة بمشروعات الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي، ونحن على مشارف الخروج من هذا العام والدخول إلى عام جديد، يمكن أن نلمح كثيرا من الإنجازات الرقمية التي تحققت واقعا، وأذكر قبل قرابة شهر حديث سعادة الدكتور علي بن عامر الشيذاني وكيل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات للاتصالات وتقنية المعلومات -الذي حضرتُه واستمعتُ إليه- مبرزا بكل فخر ما تحقق من إنجازات تستحق الذكر والفخر، وسأحاول أن أبرز بعضًا منها لتكون بمنزلة الدعوة لجميع عناصر المجتمع العُماني -مؤسسات وأفراد- بمواصلة التفاعل الرقمي ومضاعفته، ولتفعيلٍ أكثر اتساعا وآفاقا مع العام المقبل بإذن الله. مع مراجعتنا لما أنجزناه في عامنا الحالي الذي أوشك على الانتهاء؛ سنحدد مقومات القوة التي سنحتاج وجودها مع عامنا المقبل، وسنشارك بمقترحات نطمئن بضرورةِ المسارعة إلى تنفيذها.
اتّسم عام 2024 بأنه عام عُماني رقمي بامتياز؛ فأعلنَ مع بداية الشهر الأخير لهذا العام عن تقدّم ترتيب سلطنة عُمان العالمي في جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي 5 مراكز مقارنة بالعام المنصرم؛ لتحلّ في المركز 45 عالميًا وفقَ مؤشر مؤسسة الاستشارات «أوكسفورد إنسايتس» البريطاني، وفي قطاع الفضاء المرتبط بالذكاء الاصطناعي، أطلقت عُمان قمرها الصناعي الأول، ونجحت في تجربة إطلاق صاروخ تجريبي إلى الفضاء «الدقم-1» ليتوّجَ سلطنة عُمان من الدول الأولى في منطقة الشرق الأوسط بإطلاق الصواريخ إلى الفضاء الخارجي. كذلك أبرمت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات مع نهاية عام 2024م -بدعم من وزارة الاقتصاد- اتفاقية تعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي لتأسيس مركز الثورة الصناعية الرابعة في سلطنة عُمان، والذي سيعدّ السادس من نوعه في الشرق الأوسط، والثاني والعشرين على مستوى العالم، وسيكون تأسيسه بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، ويُخطط أن يبدأ عمله في الربع الأول من عام 2025. على صعيد الاستثمار الرقمي والتقني، استحوَذ جهازُ الاستثمار العُماني على حصة في شركة «أكس أيه آي» «xAI» المملوكة من قبل «إيلون ماسك» المتخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تعد من الشركات الرقمية الصاعدة الساعية إلى تطوير أذكى نموذج ذكاء اصطناعي في العالم، ومؤخرا أعلنت الشركة عن إنشاء مركز ضخم للبيانات الكبيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ودشّنت نموذجَها الذكي «Gork-2» الذي سيدخل منافسة تقنية مع نماذج توليدية أخرى مثل «شات جي بي تي»، وستوجّه مثل هذه النشاطات الرقمية الواعدة لشركة «xAI» الاستثمار العُماني الرقمي إلى طريق مشرق المعالم يُطوّر بواسطته الاقتصاد الرقمي والكوادر العُمانية التي سترتبط بشكل مباشر أو عبر شركات ناشئة فرعية.
بجانب ما حققته سلطنة عُمان في قطاع التحول الرقمي بما فيه مشروعات الذكاء الاصطناعي على أرض الواقع في عام 2024، ثمّة إعدادات لتطوير الاقتصاد الرقمي تمهيدا لمستقبل عُماني رقمي واعد؛ إذ نُفّذت في نهاية هذا العام ورشة عمل معنية بتحسين سياسات جذب الاستثمار الأجنبي في قطاع الاقتصاد الرقمي بسلطنة عُمان عبر منظمة التعاون الرقمي بالتعاون مع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات وتنسيقا مع المنتدى الاقتصادي العالمي ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار. ليس من السهل أن نعدد كل الإنجازات التقنية والرقمية التي تحققت في سلطنة عُمان في عامنا هذا، ولكننا ركّزنا على بعضها، وفيما نراه يشكّل انطلاقات إلى تحقيق إنجازات أخرى في عامنا القادم -بإذن الله- أكثر اتساعا وفعاليّة؛ فتشير مؤشرات نمو قطاع الاقتصاد الرقمي ومشروعات التحوّل الرقمي العُمانية إلى أننا نتجه إلى مسار ذي وجهة محددة متوازٍ مع خططه المرسومة، ولهذا مع تصاعد النمو الرقمي خصوصا في نماذج الذكاء الاصطناعي العالمية، ومع تفاعلنا الرقمي المحلي والإقليمي والعالم، وتقدمنا في الترتيب العالمي بقطاع الذكاء الاصطناعي؛ فإنني أستشرف تفوقا عُمانيا أكبر في عامنا المقبل -بإذن الله- في قطاع الذكاء الاصطناعي من حيثُ توسيعُ نطاق تفعيله عمليا في المؤسسات الحكومية، وتوسيع رقعة الاستثمار والشراكات العالمية، وكذلك في قطاع الفضاء الذي سجّلنا فيه تفوقا أدخلنا في قائمة الدول الأولى في المنطقة في هذا القطاع الواعد، وتؤكد الخططُ أننا بصدد تنفيذ إطلاق 3 صواريخ أخرى إلى الفضاء في العام المقبل، ولا أستبعد أن نرى ما يتجاوز توقعاتنا ودهشتنا.
وإن كان من توجيه يصب في تطوير هذا القطاع ويضاعف من فعاليته؛ فإنه في مضاعفة جهود تنمية قدرات الكوادر الوطنية -معرفيا وعمليا- في الحقل الرقمي بعموم عناصره؛ لنبدأ بالمناهج التعليمية -بمراحلها المدرسية والجامعية- التي بحاجة إلى تخصيص مناهج خاصة بتعليم الذكاء الاصطناعي من الناحية النظرية -الأساسيات بما فيها المنطقية والرياضية- والتطبيقية -البرمجة المتقدمة مثل «Python» «بايثون» والبناء الخوارزمي والنماذج الذكية-، ولا أجد أننا ينقصنا الخبرات والقدرات في تأسيس مثل هذه المساقات التعليمية المهمة التي لا تقل أهميةً عن بقية المواد الأساسية مثل اللغة والعلوم، وسبق أن اطلعتُ على منهج تعليمي لإحدى دول المنطقة متخصص في تعليم الذكاء الاصطناعي لطلبة المراحل المدرسية صُمم بعناية فائقة من حيثُ جودة الطرح العلمي -نظريا وتطبيقيا- واللغة العربية الرصينة التي بمجلها تعزز الولوج السلس إلى الذكاء الاصطناعي وعلومه في مجتمعاتنا العربية.
تأتي هذه الدعوة بمثابة الشراكة المبنية على المساهمة الوطنية دون أن نبخس الجهود الكبيرة الأخرى التي تبذلها مؤسسات التعليم بجميع مراحله في سبيل تبنّي منظومة تعليمية مواكبة للواقع الرقمي وطفراته المتصاعدة.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
0 تعليق