رَوْعُ الرُّوع - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما أجوب صنوف الأدب لأُرضي تلك المقولة «لا يكتب الكاتب قبل أن يقرأ ألف كتاب» وفـي محاولة اللحاق بهذا الرقم وذاك، دائمًا ما تتردّد فكرة فـي رأسي مفادها: رغم اتساع رقعة الأدب بعناوينه وفهارسه ومجلداته إلا أن هناك من الموضوعات التي لم يُطرق بابها بعد، يتوق لها القارئ وبحاجة إلى عكازي العلم والأدب ليسير نحوها، ومحاولة الوصول إلى الإجابة وإن كان بسؤال آخر يقترب من الحقيقة شيئًا فشيئًا.

وما زالت الفكرة تطرق رأسي، إلى أن سمعت صوت طرقات على الباب..

من الطارق؟ الروع.

لأفتح الباب فأجد محجان.

وفـي رواية أخرى، قيل ليس هناك بطارق من الأساس.

أمام كل تعدديّة الخيارات من حولنا تبقى الحيرة كبندول راقص، لا تعرف أصله الثابت من المتحرّك، قبل التطرّق للحكاية، أصلها ومنفاها، وأحداثها وما ورائيات تلك الأحداث، ورمزها ومعناها، نعود إلى الأدبيات الكلاسيكية التي تغنّت بالرمز، وناشدت بضرورة تعدديّة المعنى، حتى قيل لا نص أدبي بلا رمز ولا مُواربة فـي المعنى.

لتأتي رواية «الروع» لكاتبها زهران القاسمي، فـيقدّم ما يليق بمرحلة ما بعد فوزه بجائزة كتارا عن روايته «تغريبة القافر»، ليواصل التغنّي بالنفس، والتعجب من أسرارها، فـي محاولة منه لمشاغبة القارئ بدهشة وعجائبية تحاكي الواقع البسيط.

لتأتينا ببساطة السرد وسلاسته فنظنّ أننا فهمنا من الحكاية أحداثها، لنكتشف تعددية المعنى، ونصطدم بالحقيقة التي لم ولن نصل إليها، ليكون نصًا مفتوحًا بامتياز، ليس فـي نهايته فحسب، بل مفتوحًا عبر كلّ أبعاد الحكاية، فما كانت تلك البداية سوى بناء للنفس، وما كان فـي نهايتها سوى خوف من لبسها وغموضها، رغم صدقها الأصيل.

«محجان» نصبَ فزّاعته هناك فـي الحقل، وأخذَنا معها فـي تفاصيل حكايات العوابي والحقول، والطيور التي تكاد تكون من فرط رقتها هي عدوّنا الأول لهشاشتنا الروحيّة، ليجد محجان «بطل الرواية» أنه لم يكن يصنع سوى نفسه لكن من الداخل العميق جدًا، أو أنّ كلّ ما كان يصنعه فـي الخارج له انعكاساته فـي مرآة الذات الصقيلة، والتي يكون فـيها الصدق فـي أوج تجلّياته، لتشعر فـي النهاية بوخزة الحقيقة رغم ضبابيتها، ولتمسك بخيط المعرفة الذي يعود مجددًا ليذوي نحو المجهول، فلا يبقى لنا سوى الحكاية «محجان وروعه».

وكما كان الأدب على الدوام يرشدنا بدلالات رمزيّة بدون أن يخبرنا بشفافـيّة وصدق، فإن محجان استرشد بالأمثال كرَوع منصوب فـي طريق الحياة، تختصر له تلك المسالك الوعرة، وإن كان لجأ إلى الساخر منها، الذي يكشف عن السخرية الواقعة ما بين الحقيقة والخيال، وبين ما نعرفه نحن وعن ماهيّة الحياة فـي جوهرها.

لينساب القارئ مع الأحداث، كمثل «شرجة ولاقية مهباط»، رغم أنها ليست بذلك الكمّ من الصفحات والتي يطول معها وقت القراءة، تتحرّر بذلك من نمطيّة الروايات الطويلة، وعلى ما يبدو فإنّه صدقت بالقول «الطول طول نخلة والعقل عقل صخلة»، أو أن «كلّ طويل هبيل»، لتتوالى الأحداث التي يتقاسمها محجان مع القارئ، وكأنه يرى بذلك انعكاس لحكاياته، لكنّها بلا روع ولا حقل، يتقاسمان فـيما بينهما الهزيمة والخسران ليطمئنّ بقوله «نام مغلوب ولا تنام غالب»، ومع اقتراب النهاية والصفحات الأخيرة، وبنفس تتوق للنهاية ليفاجئ القارئ من عناصر الدهشة، فلا يشعر سوى بلطمة مفاجأة، لكن «كفّ صفعني نفعني».

ليود القارئ أخيرًا أن يُلاحق الكاتب ويقاضيه على تلك النهاية، والرمزيّة المشوّكة داخل الحكاية، لكن وعلى ما يبدو ينطبق فـيه المثل «باغية تزعل وما متفـيقة من شغل البيت».

فوزية الفهدية كاتبة وقاصة عمانية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق