5 مشاهد من سيناريو الفتنة الكبرى في الشرق الأوسط - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

قال محمود درويش: «الإنسان هو نتاج تجربته ونتاج واقعه الاجتماعي والتاريخي» وأضيف إليها «ونتاج مهنته». إذ جعلتني مهنتي ككاتب أربط بين مشاهد قديمة أتاحتها لي مصادري الصحفية وبين المشهد الجاري في الشرق الأوسط.. تضيء هذه المشاهد القديمة المشهد الجديد الجاري في المنطقة، وترجح احتمالات سيناريو الفتنة الكبرى في حضارتنا أو حرب الثلاثين عامًا في الحضارة الغربية لا يعني هذا أنه لا توجد سيناريوهات أخرى من تلك التي يجري تطويرها أطلسيا - إسرائيليا للعرب الضعفاء قد تتقدم وتسود حسب الظروف.

تتداعى في ذهني أربعة مشاهد قديمة تراكمت لدي تفسر المشهد الجاري على مسرح الشرق الأوسط. وقد بدأ المؤلف والمخرج الوحيد في واشنطن توزيع الأدوار على اللاعبين والممثلين وتسليط الأضواء في دمشق وأنقرة على نجم وإبقاء آخرين في خلفية الديكور.

المشهد الأول: نهار صيفي حار في سبتمبر ٢٠٠٦ بجامعة الدول العربية -اجتماع لمناقشة ما عرف لاحقًا بحرب الـ٣٣ يومًا في جنوب لبنان. في الاجتماع يصدم بعض السامعين عندما يعترف مسؤول عربي كبير ينتظر الجميع سماع موقف بلاده، قال: نحن نتمنى وندعم انتصارًا إسرائيليًا ساحقًا على حزب الله الشيعي التابع لإيران.

بذور الفتنة المخطط لها كامنة في فهم وتفسير الفتنة الكبرى الأولى، ففي تفسير إحدى المدارس المتشددة للسلفيين ينتهي الحكم إلى تعميم على «الآخر» يصمه بالارتداد عن الإسلام والمروق من الدين.

المشهد الثاني: مشهد ليلي في سبتمبر ٢٠٠٦ أيضا صدر فيه تصريح مخيف معاد للشيعة من علامة كبير، تحدث صاحب هذه السطور مع صديقين كبيرين للعلامة من مدرسة الإخوان لكن لديهما نضج سياسي كبير وكانوا مؤيدين للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ولا يرون سببًا فقهيًا يمنع الاثنتين من التعاون مع إيران وقد تخلت عنهما منذ حرب ١٩٨٢ شقيقاتها من الدول العربية. طلبت منهما التواصل مع العلامة الذي يسير وراءه الملايين وأن هذا قد يضعف الروح المعنوية لمقاومة تقف من أجل كرامة العرب جميعا سنة وشيعة. للحقيقة تجاوب الرجلان واقتنع العلامة برأيهما وقطع إجازته على ساحل البحر وعاد مطلًا من استوديوهات القاهرة مخففًا للهجته وداعمًا للمقاومة. هل تزيل الثانية التصريحات الأولى؟ لا أستطيع القطع لكن أستطيع الجزم بأن الغرب متأهب منذ كيسنجر وبريجنسكي لكي يوقظ الفتنة المذهبية لإنجاح خطته لتحويل الصراع الرئيسي في المنطقة من صراع عربي-إسرائيلي إلى صراع عربي-إيراني، وسني-شيعي بما يحقق مصالحه في الهيمنة على نفط، وموقع، وقرار المنطقة.المشهد الثالث: الوقت نهاري في عاصمة عربية غير معادية لطهران وبعد نحو عام من نهاية حرب أيلول. والمكان هو مكتب حكومي شديد الفخامة ولقاء ودي مع شاب من أبناء النخبة العليا ظن كاتب السطور أنه سيدور حول مهنة المتاعب لكنه فوجئ أن الشاب يباغته بسؤال عن رأيه في المقاومة اللبنانية وبعد أن أفاض الكاتب في مدح خيار المقاومة مهما كان لون البندقية ما دامت مصوبة نحو الاحتلال، اكتشف الكاتب عمليًا أنه رسب في اختبار الخط السياسي عندما أخبره الشاب أن إيران والشيعة لا يقلان خطرًا علينا نحن العرب والسنة عن إسرائيل!.

المشهد الرابع: مشهد مسائي وجدل ساخن للكاتب مع إعلامي عربي شهير حول جواز الصلاة في مسجد من مساجد آل البيت التي تعمر بها مصر انتهى بقول الإعلامي: الشيعة أخطر على العرب من اليهود وكان يقصد «إسرائيل».

من هذه المشاهد استطاع الكاتب أن يستوعب عقله النظريتين اللتين طورهما تيار فكري في العالم العربي خاصة بعد غزو العراق ٢٠٠٣ اللتين تقودان معًا إلى سيناريو داحس والغبراء المطروح على ٢٠٢٥ وما بعدها. النظرية الأولى هي أن الصراع مع إيران وحلفائها أولوية حتى على الصراع مع إسرائيل والنظرية الثانية أنهى فيها تيار الإسلام السياسي تذبذبه خاصة بين فكرة العدو البعيد «الخارجي» والذي عبّرت عنه هجمات ١١ سبتمبر ضد الاستكبار الأمريكي وفكرة العدو القريب «الداخلي» ضد نظم استبدادية. تعمقت النظريتان بعد تجربة التعاون الناجح للإخوان المسلمين العراقيين مع الاحتلال الأمريكي في مجلس الحكم الانتقالي. في أوروبا قال لي شاب من أنبغ شبابهم: حربنا هي مع النظم الحاكمة العربية وليس مع إسرائيل!!.المشهد الخامس: جديد وهو يومي نهاري وليلي ممتد من ٨ ديسمبر الجاري حتى أجل لا يعلمه إلا الله. أحمد الشرع حاكم سوريا الجديد هو نجم هذا المشهد. الشرع الذي لا يتجاوز الـ٤٢ عامًا هو أحد هؤلاء الشباب في التيار الجهادي الذي تشرب النظريتين عن كراهية إيران وتكفير الشيعة ففارق مدرسة أسامة بن لادن في العدو الأمريكي إلى مدرسة العدو المحلي وتنقل بمنتهى السهولة من داعش للقاعدة ومنها ينتقل الآن بالسلاسة نفسها لمدرسة الإخوان الواسعة ربما ضمنت له شرعية أن يكون رئيسًا منتخبًا لسوريا العظيمة بغطاء أمريكي تركي وخليجي جزئي. ربما مع طبعة محدثة للإسلام تسعى واشنطن منذ زمن لجعل نموذج ناجح لها تقوم لاحقا بتعميمه مع نموذج السلام الإبراهيمي في المنطقة. نموذجان لا يشكلان تهديدًا لمصالحها في المنطقة وعلى رأس هذه المصالح أمن إسرائيل ومنع أي هجوم عليها من نوع طوفان الأقصى الجريء.

تحليل مضمون مقابلات وتصريحات الشرع مع وسائل الإعلام الغربية والعربية وكان آخرها مع الشرق الأوسط السعودية وتحليل تصريحات معاونيه مثل وزير الخارجية ومحافظ دمشق تؤكد عملية الإنضاج الهادئ لطبخة الأطلسي لبذور الفتنة:

الشرع كابن فكري لأبي مصعب السوري لا يخفى أن إيران هي العدو الأساسي له والتحذير العنيف الوحيد لطرف إقليمي لم يكن موجها ضد الاحتلالين الفعليين بل لطهران التي خرجت من أرضه. يزعم الشرع أن الإيرانيين ساندوا النظام الديكتاتوريّ السابق لأسباب طائفية ولكي يأخذوا بثأر ١٤٠٠عام من الفتنة الكبرى الأولى مع الدولة الأموية التي كانت دمشق عاصمة ملكهم. التاريخ الحديث الذي يعرفه الجميع يقول إن دخول الإيرانيين لإنقاذ نظام الأسد تم لأسباب استراتيجية لحماية طريق الإمدادات لمحور المقاومة الذي تحالفت طهران معه. وتم بعد تمدد الشرع ورفاقه كداعش موالٍ للبغدادي ثم قاعدي موالٍ لأيمن الظواهري على الأرض السورية بين ٢٠١١ وارتكبوا جرائم دموية لا تقل عن جرائم النظام الأسدي السابق.

إسرائيل ليست العدو ولا تفكير في أي صراع فضلًا عن حرب معها ولن يسمح لمقاومة فلسطينية لبنانية أن تتلقى أسلحة عبر سوريا فتشكل تهديدًا للجار الذي تم تصويره «جالوتا» جديدًا لا نستطيع محاربته ولا نقدر أصلًا على مواجهته. محافظ دمشق قال: إن حكومة الشرع المؤقتة تتفهم مخاوف إسرائيل التي دفعتها لاحتلال مناطق محدودة في سوريا مثل جبل الشيخ وكامل الجولان والاقتراب من ريف دمشق والحدود الأردنية-السورية بمئات الكيلومترات هي مناطق محدودة لا يستعجل الشرع ورجاله خروج الاحتلال ولن يدخلوا من أجلها في حرب؛ فلديهم حروب أهم مع إيران وطوائف الأقلية. من لا يعلم الفارق بين تركيا الأطلسية منذ انضمامها للناتو ١٩٥٢ الموالية للغرب وبين إيران التي أصبحت -لمصالحها القومية بعد ثورة الخميني- معادية للإمبريالية لا يتابع بدقة كافية دلالات تلك الاستراتيجية يكفي القول إن واشنطن ستفعل كما كانت تفعل روما القديمة وستقوم بتعيين ولاة على العرب والإقليم هما إسرائيل وتركيا وأن أردوغان سيتعامل مع حليفه الشرع كوالٍ عثماني جديد في سوريا، قد أيده أخيرا باحث إسرائيلي هو إيتان كوهين.

الفتنة أشد من القتل والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها أو كما قال الأزهر الشريف: «إن من يثير البغضاء بين الفرق الإسلامية إنما يثير الفتنة التي يبغيها الشيطان في أمة النبي»، الأسماء الساعية للفتنة هذه الأيام لها أسماء عديدة بعضها من بني عدنان وقحطان.

حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق