سـورة الكهـف يـوم الجمعـة والنـور الإلهـي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

جعل الله لبعض الأوقات والأزمان فضائل مخصوصة كما أن لبعض الأمكنة مزايا وفضائل خصها الله بها عن سائر البلاد، فخير الشهور شهر رمضان المبارك، وخير الليالي هي ليلة القدر، وخير الساعات في الليلة الثلث الأخير منها، وكذلك خير أيام الأسبوع هو يوم الجمعة، الذي جعله الله تبارك وتعالى عيدا أسبوعيا للمسلمين، وقد وردت الكثير من الأحاديث في فضائل هذا اليوم العظيم، بل وخصه الله عز وجل بسورة أسماها باسم هذا اليوم وهي سورة «الجمعة» التي نزل فيها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ»، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلـم تحدث عن أفضلية هذا اليوم عن باقي الأيام فقال: «إنَّ من أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ فيهِ خُلِقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النَّفخةُ وفيهِ الصَّعقةُ فأكْثِروا عليَّ منَ الصَّلاةِ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ - يقولونَ بليتَ - فقالَ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ علَى الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ».

•وبما أن هذا اليوم هو بهذا الفضل وهذه العظمة حق للمسلمين يكون فيه بأفضل هيئة وملبس، فشرع لهم سنة الغسل ليوم الجمعة، وأن يلبسوا أفضل الثياب ويتطيبوا بأجمل الروائح والأطياب وأن يبكروا في الذهاب إلى الجامع، وذلك لنيل الثواب العظيم ففي الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قال: «من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر».

•فيجب على المسلمين التنافس في هذا الفضل والتبكير في حضور الجمعة، والتعرض للنفحات والرحمات المتنزلة في هذا اليوم، والتعرض للأنوار الإلهية ومن تلك الأنوار التي يحوزها المؤمن بما يتقرب به إلى الله تعالى هو قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة، فالرسول صلى الله عليه وسلـم يقول: «من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ» والمسلم في أمس الحاجة إلى هذا النور الإلهي وخصوصا في هذا العصر، وذلك لأن النور هو حياة للقلوب، ولذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلـم من أدعيته المأثورة: «اللهمَّ اجعلْ في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعنْ يميني نورًا، وعنْ يساري نورًا، ومنْ فوقي نورًا، ومنْ تحتي نورًا، ومنْ أمامي نورًا، ومنْ خلفي نورًا، واجعلْ لي في نفسي نورًا، وأَعْظِمْ لي نورًا». فالنور هو الهداية والبركة والعلم والفهم والطمأنينة، وهو حرز من الفتن، ومدد نوراني من نور الله الذي هو نور السماوات والأرض، فيكون المؤمن في حفظ الله وتوفيقه، يستقبل هذه الفيوض الربانية وهذه الأنوار حتى يلقى الله عز وجل في يوم القيامة وهذه الأنوار ترافقه فنجد الله عز وجل يقول في سورة الحديد: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ».

•وفي سورة الكهف من الأسرار والحكم والقصص ما يثبت الله به المؤمنين في هذه الحياة الدنيا على المسار الذي يريده الله لنا، ففي قصة أصحاب الكهف أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم، وهروبهم من الملك الكافر الظالم، وفرارهم بدينهم ولجوئهم إلى الجبال والكهوف، خوفا من الكفر أو القتل، فأفنى الله الأجيال وأحياهم من بعد أن مكثوا في كهفهم 309 سنوات، في حفظ الله ورعايته وعنايته، لهو جدير بأن نأخذ منها الحكم والعبر في أن النجاة الوحيدة هي في كنف الله، وفي التمسك بدينه، واحتمال الأذى والمشقة من أجل الثبات على هذا الدين القويم.

•ولو أتينا إلى موضوع آخر من مواضيع هذه السورة الكريمة لوجدنا أنها تتحدث عن فتنة العلم، وذلك في قصة موسى والخضر عليهما السلام، فقد أراد الله عز وجل أن يوجه موسى عليه السلام ويبين له أن هنالك من هو أعلم منه، وفي مسار القصة يتبين لنا أن الخضر عليه السلام الذي آتاه الله من لدنه علما كان لديه فهم عميق لأقدار الله وخفايا الأفعال التي قام بها، فعلى المسلم أن ينظر إلى الحكم العميقة والخفية من أقدار الله، وتكون نظرته للأمور نظرة فاحصة تتجاوز الفهم البسيط.

•وهذه السورة غاية في الإمتاع وذلك بفضل الأسلوب القصصي للقرآن الكريم، هذا الأسلوب الذي يجعلك تقرأ القصص ذاتها في كل أسبوع ولكن لا تمل من قراءتها بسبب أسلوب التشويق الذي يستخدمه القرآن الكريم، وكأنك تقرأ القصة لأول مرة رغم تكرار قراءتها، فهذه قصة ذي القرنين التي تحدثت عنها هذه السورة العظيمة، هذه القصة التي تتحدث عن هذا الملك المؤمن العادل الذي يصل إلى مشرق الشمس ومغربها من أجل إقامة العدل ونصرة الشعوب الضعيفة، فقام بتوظيف علمه الذي وهبه الله له في خدمة الناس، فقام ببناء السد الذي يمنع يأجوج ومأجوج من الوصول إلى القرية التي استنجدت بذي القرنين، كما تظهر في هذه القصة العظيمة أثر التعاون بين أفراد المجتمع من أجل إنجاز المشاريع، فقد طلب من أهل القرية أن يأتوه بكل قطعة حديد، ثم أمرهم أن يشعلوا فيها النار وينفخوها وبعد ذلك أفرغ عليها قطرا وهو النحاس المذاب.

•كما أن هذه السورة تحدثت عن فتنة أخرى وهي فتنة المال، وذلك من خلال قصة صاحب الجنتين وجاره الفقير، الذي تكبر عليه وقال بأنه أكثر مالا منه وأعز نفرا، ودخله الغرور والعجب عندما دخل مزرعته المثمرة اليانعة، فقال لا أظن أن تزول هذه المزرعة أبدا، ولن تقوم القيامة عليها، فقال له الرجل الفقير: هل كفرت بربك الذي خلقك من التراب ووهبك هذا الخير، وأخذ يذكره ويعضه، وقدر الله أن تفسد الثمار ويخسر كل ما أنفق فيها من جهد ومال، وهنا تذكير للمؤمنين بعدم الاغترار بفتنة المال.

•وهنالك مواعظ كثيرة وحكم بالغة وأسرار عظيمة يتحصلها المسلم من القراءة الأسبوعية لهذه السورة في يوم الجمعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق