تنظيم داعش الآن أصبح امتيازا - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

كلارا بروكارت - كولين بي كلارك

في الساعات الأولى من فجر أول أيام العام الجديد، اقتحم عسكري أمريكي سابق يبلغ من العمر اثنتين وأربعين سنة ويدعى شمس الدين جبار بسيارته حشدا من المحتفلين في «الحي الفرنسي» بنيو أورلينز، قاتلا أربعة عشر ومصيبا العشرات، وكان جبار يعلّق على السيارة التي استأجرها علم تنظيم داعش ويقال إنه سجل فيديو يعلن فيه ولاءه للجماعة المتطرفة.

تُجري المباحث الفيدرالية الأمريكية حاليا تقييما لأجهزة جبار الإلكترونية لترى ما سيكشفه التحليل الرقمي، من قبيل نوعية الدعاية الداعشية التي كان يتشربها، والوتيرة التي كان يقرأ بها منشورات التنظيم، وهل حصل على أدلة لتصنيع عبوات ناسفة مرتجلة أو متفجرات أخرى، وأي منصات التواصل الاجتماعي كان يزورها، وهل كان على اتصال بأي عناصر فعلية في تنظيم داعش ربما كانوا له مدربين إلكترونيين أو روادا افتراضيين في هجومه.

في العام الماضي، توشك جميع عمليات تنظيم داعش الخارجية الناجحة والمحبطة -أي الهجمات الواقعة خارج محيط المحافظات المختلفة التي تسيطر عليها المجموعة- أن تكون مستلهمة من المجموعة، وليست بتوجيه وتمكين منه. وهذا إنجاز مذهل، إذ استغل تنظيم داعش اسمه التجاري في العالم كله ليلهم بعنف ودمار بعيدا عن الأراضي الخاضعة لسيطرته ودون أن يقدم حتى المساعدة للمهاجمين.

يبرز هذا دورا أساسيا للتكنولوجيا من قبيل منصات التواصل الاجتماعي والاتصالات في إتاحة المحتوى المؤدي إلى التطرف، وكذلك المعرفة التقنية اللازمة لترتيب الهجمات، كما أنه يشير إلى أن كثيرا من الخطط يعتمد على أساليب بدائية متواضعة التقنيات -من قبيل الدهس بالمركبات- تستفيد من بساطة ووحشية وفعالية التكتيكات الوحشية.

فكيف يتسنى إحباط هذه الهجمات، وما السبل لوقف انتشار الامتياز الداعشي في أنحاء العالم؟

يشير تبنّي الإرهابيين للتقنيات المتقدمة -من العبوات الناسفة إلى الطائرات المسيّرة- والاستمرار بنجاح كبير في استعمال إجراءات هجومية بسيطة -من الدهس بالمركبات إلى الطعن- إلى الحاجة لمزيد من الفهم الدقيق لأسباب اختيار الإرهابيين لتقنيات معينة دون غيرها في تنفيذ هجماتهم في قضية ترجع إلى نوفمبر الماضي، عندما خطط متطرف يميني في الولايات المتحدة للهجوم على منشأة طاقة بطائرة مسيّرة مزوّدة بمتفجرات، في تناقض صارخ مع ما جري في نيو أورلينز.

لقد أصبح الدهس بالسيارات -الذي لا يكاد يقتضي أي تخطيط- من أنجح تكتيكات الإرهاب المستلهم من تنظيم داعش بسبب مزيج من العوامل العملية والأيديولوجية؛ إذ استعملت في هجمات مستلهمة من الجماعة أو نفذت بتمكين منها في أنحاء العالم كما في برشلونة وبرلين ولندن ونيويورك ونيس وستوكهولم. والدهس بالسيارات أرجح نجاحا لأنه يصعب كثيرا اكتشافه في مرحلة التخطيط كما يصعب بالقدر نفسه تخفيفه لارتفاع تكاليف ذلك.

فالسيارات -من حيث الإتاحة- متوافرة بالطبع، ومن خلال منصات تأجير السيارات والمشاركة فيها، لا تلزم موارد كبيرة لتنفيذ مثل هذه الهجمات، وفيما تصفه المباحث الفيدرالية بالمصادفة المحضة، استخدم مهاجم نيو أورلينز وجندي من القوات الخاصة في الجيش الأمريكي قتل نفسه قبل انفجار شاحنة تسلا سايبر ترك التي كان يستقلها في الأول من يناير في لاس فيجاس تطبيقا واحدا يُعرف بتطبيق تورو للتأجير من المالك مباشرة في الحصول على مركبتيهما.

فضلا عن أن العائق بسيط ولا يتطلب سوى رخصة قيادة والجانب الرمزي لهجمات الدهس بالمركبات مهم أيضا: وهو أنه يمكن لأي شيء من أغراض الحياة اليومية أن يتسبب في مذبحة جماعية في أي لحظة، دون الحاجة إلى أي تحضير تقريبا. وهذه الهجمات لا تنفرد بها الجماعات المتطرفة. فقد استخدم متطرف ينتمي إلى أقصى اليمين مركبة خلال مسيرة توحيد اليمين في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا عام 2017 لدهس حشد من المتظاهرين المعارضين، مما أسفر عن مقتل أحدهم، وقبل بضعة أسابيع فقط، استخدم مواطن سعودي مقيم في ألمانيا، بدافع من مزيج غريب من الأفكار المعادية للإسلام وأفكار اليمين المتطرف، سيارة لمهاجمة أحد أسواق الكريسماس في جنوب غرب برلين.

طالما اعتمد تنظيم داعش على إلهام أنصاره لتنفيذ هجمات بالمركبات، اتباعا لتنبيه من الرجل الثاني السابق في التنظيم، أبو محمد العدناني، الذي حث أنصار تنظيم داعش ذات يوم على تنفيذ هجمات ضد الغربيين بأي وسيلة تحت تصرفهم. إذ حرَّض العدناني قبل أكثر من عقد من الزمان قائلا «اسحقوا رأسه بحجر، أو اذبحوه بسكين، أو ادهسوه بسيارتكم، أو ألقوه من مكان مرتفع، أو اخنقوه، أو سمِّموه»،. وتظل تكتيكات القوة الغاشمة هذه ناجحة للغاية ويصعب اكتشافها في مراحل التخطيط.

وقد تكون مكافحة الإرهاب مهنة غير مشكورة، فعند تعطيل المؤامرات أو الكشف عن الخلايا الإرهابية، فقد تظهر هذه الأحداث في دورة الأخبار للحظة، ولكن قليل من الناس هم الذين يطيلون التفكير فيما كان يمكن أن يحدث لو نجح الهجوم، والحقيقة أن المباحث الفيدرالية ووكالة المخابرات المركزية وغيرهما من الوكالات التي تركز على مكافحة الإرهاب لديها سجل مثير للإعجاب في الصراع الجيلي ضد جماعات من قبيل القاعدة و«داعش» وفروعها المختلفة وامتيازاتها وفروعها الإقليمية.

ولكن مثلما صرح الجيش الجمهوري الأيرلندي علنا بعد أن كاد يقتل رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر في عام 1984، «لا ينبغي أن يحالفنا الحظ إلا مرة واحدة، أما أنتم فلا بد أن يحالفكم الحظ دائما». يعني هذا أيضا أن سلطات مكافحة الإرهاب تحتاج إلى تخصيص الموارد إلى حيث تعتقد بوجود أكبر التهديدات، وذلك هو الذي يدفعها أحيانا إلى التركيز على «الشيء اللامع الساطع» أو الحدث المحتمل الذي قد لا يكون متوقعا، وهذا يعني قدرا كبيرا من التركيز على الإرهابيين الذين يستخدمون الطائرات المسيرة لشن هجمات أو يحاولون نشر أسلحة كيميائية أو بيولوجية، ولكن الهجمات الأكثر شيوعا، من قبيل التي وقعت في نيو أورلينز، فتبقى شديدة الفتك ويكاد يكون من المستحيل ردعها أو الدفاع ضدها.

يمثل بناء أعمدة فولاذية أو أشياء أخرى تساعد في تقوية الأهداف الضعيفة إحدى الطرق التي يتبعها ممارسو مكافحة الإرهاب لتأمين أماكن الفعاليات العامة، وفي نيو أورلينز، كان نظام الأعمدة قيد الإصلاح استعدادا لمباراة السوبر بول الشهر المقبل، ولكن حتى هذا يبين أن مجتمعاتنا تتكيف دوما مع الإرهاب أو تستجيب له، برغم حرص ساستنا على ترويج الوهم القائل بأن تغيير حياتنا بأي شكل من الأشكال هو «سماح للإرهابيين بالفوز». ولا يزال خلع الحذاء في صفوف أمن المطارات بعد أكثر من عقدين من الزمان على هجوم الحذاء المفجر سيئ السمعة مثالا واضحا على هذا. وعلى العكس من ذلك، فإن تحصين الأهداف الضعيفة، إما بحواجز وقائية أو بزيادة حضور الشرطة، ليس سوى اعتراف بأن التهديد حقيقي، وبأن مجتمعنا يعتزم الوقوف في وجه هذا التهديد.

وما من حل سحري للتعامل مع التهديد الذي يشكله الإرهاب. فهو في نهاية المطاف تكتيك ولا يمكن إلحاق هزيمة تقليدية به، وكأنه جيش أو دولة قومية. فمكافحة الإرهاب السليمة تعني تدابير حركية من قبيل الضربات بطائرات مسيّرة وغارات من العمليات الخاصة، ولكنها تعني أيضا نهجا شاملا للتعامل مع الأسباب الجذرية والمظالم، سواء أكانت اجتماعية اقتصادية أم دينية أم قومية عرقية أم غير ذلك. من جوانب كثيرة، يمثل النموذج الذي اتبعه تنظيم داعش بالاستعانة على تنفيذ إرهابه في الغرب بجهات فاعلة منفردة، لديها قائمة طويلة من المظالم، يمثل تجسيدا لكتاب القواعد الذي سعت إليه المجموعة منذ فترة طويلة. كما يجعل التركيز على الأسباب الجذرية أكثر أهمية. ففي حالة جبار، تشير تقارير إلى أنه عانى، مثلما عانى كثيرون غيره، في إعادة الاندماج في الحياة المدنية بعد ترك الجيش.

لا بد من النظر إلى مكافحة الإرهاب في العصر الحديث من خلال عدسة واسعة ومتعددة الأوجه، ومعالجة التهديدات عالية التقنية ومنخفضة التقنية في وقت واحد. في حين أن انتشار التكنولوجيات المتقدمة -مثل الطائرات المسيرة، والاتصالات المشفرة، والقنابل- يتطلب استجابة متطورة ومنسقة، فلا ينبغي أن نتجاهل التهديد الدائم الذي تشكله الأساليب الأكثر بدائية مثل هجمات الدهس بالسيارات والطعن. وعليه، فإن استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب تعني تفكيك البنية التكنولوجية الأساسية التي تمكن الجماعات الإرهابية من التواصل والعمل عبر الحدود في حين تعمل في الوقت نفسه على تعزيز الحواجز المادية والمجتمعية التي تخفف من خطر التكتيكات الأكثر بساطة ووحشية.

لا يمكننا ضمان سلامة مجتمعاتنا وقدرتها على الصمود في مواجهة المشهد الإرهابي دائم التطور إلا من خلال نهج متوازن يشمل كامل طيف التكنولوجيا المستخدمة في الهجمات، ومع تكثيف تنظيم داعش لعملياته في الخارج، مستغلا فراغ السلطة من سوريا إلى الصومال، فإنه سيعمل أيضا على تسريع عملياته الدعائية والإعلامية، بما يؤدي إلى سعي المزيد من أتباعه إلى تنفيذ هجمات باسمه.

ربما يكون تنظيم داعش قد تراجع من الصفحة الأولى للصحف، في ظل حرب روسيا في أوكرانيا ورد إسرائيل على هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، لكن التنظيم يظل صامدا بعناد وسوف يتبين أنه قضية اليوم الأول لإدارة ترامب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق