عمق السياسة الخارجية العمانية وجوهرها - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ليس من الصعب فهم السياسة الخارجية العمانية، لكن، أيضا، ليس من السهل تمثلها بالكامل في نموذج آخر لدولة أخرى؛ فالأمر معقد جدا لأنه مرتبط بسياق تاريخي وبثقافة المجتمع العماني وبنيته المعرفية التي تشكلت عبر أزمنة مختلفة وفي ظروف تاريخية كان لها سياقاتها الخاصة والعامة، وأيضا مرتبط بالموقع الجغرافي لسلطنة عمان خاصة وأن هذا الأخير هو العامل الأساسي في بناء مسار السياسات الخارجية لأي دولة.

وتؤثر العوامل السابقة على الثابت في السياسة الخارجية العمانية أو المتغير؛ لأن المتغير هنا لا يمكن قراءته دون مرجعية ثقافية وتاريخية وجغرافية فهو مرتبط بمحددات لا تخرج عن مبادئ المجتمع العماني وقيمه ومصالحه وموقعه الجغرافي.. وهامش المتغير في السياسة العمانية هامش محدود مرتبط بتطور العالم من حولنا أو تغيره وتبدل توجهاته.. وفي ذلك ميزة المرونة التي تتمتع بها السياسة العمانية القادرة على استيعاب المتغيرات من حولها وبناء تصورات حولها انطلاقا من القيم والمبادئ الثابتة للمجتمع العماني.

لكن الثابت اليوم لدى الجميع أن السياسة الخارجية العمانية سياسة حكيمة ومتزنة، ومع تجربة الأحداث أثبتت هذه السياسة نجاحها وقدرتها على قراءة الأحداث بشكل دقيق. ومن أهم الركائز التي تقوم عليها السياسة العمانية ركيزة المصداقية فهي صادقة مع الجميع وبعيدة عن الأجندات ذات التوجهات الأيديولوجية أو المصالح التي تبنى على ضياع أو خراب مجتمعات أخرى، وهذا ما بات راسخا في الصورة الذهنية التي شكلها العالم عن سلطنة عُمان خلال العقود الماضية، وهي مستمرة اليوم وهي مصدر قوة ناعمة لسلطنة عُمان، وتعول عليها الدبلوماسية العمانية كثيرا في بناء علاقاتها مع العالم من حولنا سواء كانت العلاقات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.

ومن المهم في سياق محاولة فهم السياسة العمانية قراءة مكانة الجغرافيا في بناء أركان هذه السياسة، فالجغرافيا أحد أهم محددات بناء السياسات؛ لأن الجغرافيا ثابتة لا تتغير رغم أنها أيضا، عامل ديناميكي يتأثر بالمتغيرات العالمية.

لذلك لا بد أن تُقرأ السياسة الخارجية العمانية، وتحدد الأدوار الاستراتيجية التي تقف عليها من منطلق الموقع الجغرافي لعُمان: الحدود الدولية والمواني الواقعة عند ملتقى التجارة العالمية وكذلك إشرافها على مضيق هرمز وقربها وبعدها من المواقع الجغرافية التي تصنع أحداث المنطقة. وعلى مر التاريخ كان الموقع الجغرافي عاملًا مهمًا في سلطنة عُمان وأسهم بشكل كبير في كل التطورات والنقلات التي شهدتها، وعندما توظف سلطنة عُمان هذا العامل التوظيف الصحيح وتديره بذكاء فهو ينعكس على استقرارها ورخائها.

وسبقت الإشارة أعلاه أن الموقع الجغرافي يتمتع بالديناميكية والتغير تبعا لتحولات العالم من حولنا فإن الموقع الجغرافي العماني يشهد خلال السنوات الأخيرة تغيرات من نوع جديد ليس من السهل التحكم بها وهي التغيرات المناخية التي تؤثر على سلطنة عُمان بشكل واضح جدا، ورغم اعتقاد البعض أن هذا العامل بعيد عن تأثيره في بناء السياسات الخارجية للدول إلا أنه مؤثر بشكل عميق في بناء التحالفات ودعم المبادرات التي ما كان يمكن أن تكون أساسية قبل عقد واحد من الزمن فيما هي اليوم ذاهبة إلى الصدارة.

والتفوق والنجاح يكمن في إدارة واستيعاب وفهم كل هذه المحددات وغيرها الكثير لبناء سياسة خارجية يصفها العالم أجمع بالحكيمة والمتزنة والإنسانية.. وهنا يكمن التعقيد ولكن أيضا يكمن العمق الذي لا تستطيع رؤيته إلا سلطنة عُمان.

أخبار ذات صلة

0 تعليق