جُنَّ جنون بعض الناس عندما امتنع أحمد الشرع (ولعلكم تعرفونه باسم أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام والزعيم الفعلي لسوريا) عن مصافحة أنالينا بيربوك، وزيرة خارجية ألمانيا، عندما زارت دمشق هذا الأسبوع.
إنه لا يصافح امرأة! الشرع إذن هو الجهادي الذي كان إياه دائما!
وثمة قصة أخرى تستولي على الغربيين: هل لا تزال الحانات في دمشق -وكانت محور جولات نظام الأسد الدعائية، حيث كان الصحفيون ومدونو الفيديو يؤخذون لينعموا بالشراب على مسمع من معسكرات الاعتقال- هل لا تزال تلك الحانات تقدم الخمر المفضل لديهم؟ ولو أنها لا تقدمها، فيا إلهي، يا لها من علامة رهيبة...
ما من سوري تحدثت إليه أو قرأت كلماته إلا وهو عاجز عن أن يصدق أن هذا ما يريد العالم التحدث عنه. هذا أمر لا يصدق.
لقد كان النظام السابق يدير غرف التعذيب لمدة خمسين عاما، وقام بغزو لبنان واغتال رئيس وزرائه السابق. وقتل مليون شخص في حرب أهلية اتسمت بالاستخدام المستمر للأسلحة الكيميائية. وها هم السوريون وقد حرروا أنفسهم. فأي علاقة لأي من هذا بمصافحة الأيدي أو عدم مصافحتها، أو بتوافر جاك دانيالز في فندق فور سيزونز؟
ولكن حتى لو أن القضايا التي يركز عليها الصحفيون تافهة، فلا تزال هناك أسئلة يجب طرحها حول الشكل المستقبلي للحكم السوري.
لقد حاربت هيئة تحرير الشام -في أيامها- الجماعات المتمردة والنظام السابق والجميع.
وبعد أن اختلفت مع القاعدة، طردت الموالين للقاعدة من سوريا. وانفصلت عن تنظيم «داعش» وقضت على أعضائه. وهناك قصص عن بعض الناشطين، مثل الإصلاحي الكبير رائد فارس، الذي لقي مصرعه على يد مهاجم مجهول في عام 2018، وكان فارس قد وجه انتقادات لهيئة تحرير الشام. فهل قتله أحد أفرادها؟ حتى الآن، لا نعرف.
عندما هرب بشار الأسد، أخذت الأمور تجري نظريا وفقا للقواعد. فقد بقي رئيس الوزراء السابق محمد غازي الجلالي في منصبه ليوم أو نحو ذلك بعد هروب الأسد، وتم تخصيص حراس شخصيين له من هيئة تحرير الشام.
ثم سلّم منصبه إلى القائم بأعماله محمد البشير، الذي كان رئيس وزراء حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام في إدلب بشمال سوريا. وتم تنفيذ ذلك كله بمظهر الشرعية.
فمن هم هؤلاء الرجال؟ البشير، صغير جدا بالنسبة لرئيس وزراء -يبلغ من العمر واحدا وأربعين عاما- وكان زعيما لحكومة الإنقاذ لأقل من عام. لكن محافظة إدلب، التي يديرها رجاله، برغم كونها تحت الحصار من الجنوب، وتحت القصف المدفعي والجوي المستمر، وبرغم وجود 3.6 مليون شخص مكدسين في مساحة كانت تستوعب قبل الحرب قرابة 1.5 مليون نسمة، كانت في الواقع تدار على نحو جيد.
فقد كان فيها كهرباء أكثر من معظم مناطق سوريا الخاضعة لسيطرة النظام. وكانت الرواتب أعلى. وكان البناء والأعمال العامة جارية فيها.
وقد شهدت الرعاية الصحية تحسنا (فعلى سبيل المثال، تعاملت إدلب مع الوباء بشكل أفضل بكثير من سوريا الخاضعة لسيطرة النظام). ويعود مئات الآلاف من السوريين بالفعل من الدول المجاورة. وهم مجموعة مجتهدة، ويصرحون لكاميرات التلفزيون العابرة بأنهم عادوا إلى وطنهم من أجل إعادة البناء.
غالبا ما يعني القانون الإسلامي قانونا صارما ويمكن أن يتحول بسهولة، كما حدث في أفغانستان، إلى عصابات متنكرة في زي العدالة. ويبدو أن طالبان لا تهتم على الإطلاق باقتصاد أفغانستان، طالما أن بوسعها الاستمرار في تحقيق هدفها بإجبار النساء على مغادرة كل جانب من جوانب الحياة. ولكن هيئة تحرير الشام لم تفعل هذه الأشياء عندما حكمت إدلب. لكن من المحتمل أن تفعلها الآن -برغم أنه ما من دليل على ذلك حتى الآن.
لقد سمعنا الكثير من الادعاءات حول مذابح المسيحيين. ولا يوجد دليل على ذلك أيضا. والأشخاص الذين ينشرون هذه القصص هم في الغالب من المؤثرين ومقدمي برامج الإنترنت الصوتية في الولايات المتحدة الذين يبدو أنهم يريدون حدوث عمليات القتل الجماعي الوهمية هذه لتصب في صالح حياتهم المهنية الإعلامية.
وقد ظهرت لقطات مصورة تقول منظمة التحقق [Verify-Sy] إنها تصور شادي الويسي، وزير العدل المؤقت، وهو يشرف على إعدام امرأة بتهمة الزنا في إدلب قبل عدة سنوات، عندما كان قاضيا في هيئة تحرير الشام. وقد طالب العديد من السوريين بالفعل بفصله. ففي حال تركه منصبه عما قريب، فإن هذا سوف يقول الكثير عن مدى استعداد الإدارة الجديدة لكبح جماح الدين إرضاء للأجانب ولفصائل أخرى في سوريا. تماما كما أن بقاء الويسي في منصبه بعد شهر من شأنه أن يرسل رسالة معاكسة تماما.
لا أحد يعرف ما الذي سوف يحدث في سوريا في السنوات الأربع التي تقول الحكومة المؤقتة الحالية إنها بحاجة إليها لإجراء انتخابات. لقد قال وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني إن رفع العقوبات عن سوريا لن يتم إلا إذا احترمت هيئة تحرير الشام حقوق الأقليات.
وفي الوقت نفسه، تقول هيئة تحرير الشام إنه يجب نزع سلاح الميليشيات، واستيعاب المقاتلين المحليين في وزارة دفاع جديدة. والمستقبل لم يزل غير محدد.
0 تعليق