مشكلات وتحديات أمام الرئيس اللبناني الجديد !! - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ليس من الغريب على أي نحو أن يكون يوم الخميس الماضي الموافق التاسع من يناير الجاري يوم فرح وشعور بالنصر في كل أرجاء الدولة اللبنانية، وأن تتغير مشاعر القلق والخوف والإحباط وتتبدل خلال ساعات فقط إلى مشاعر نقيضة من الأمل والتفاؤل والثقة في أن الغد سيكون أفضل بالنسبة للبنان الدولة والمواطن اللبناني، خاصة إذا توفرت مقومات ذلك وهي تبدو متوفرة إذا استمرت روح الأداء اللبناني التي سادت ساعات الأربعاء والخميس السابقة على انتخاب الرئيس الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون بعد عامين تقريبا من شغور منصب رئيس الجمهورية، وفشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد بسبب مماحكات السياسة ومكايدات الفرقاء التي كلفت لبنان الدولة والمجتمع الكثير من التكاليف المباشرة وغير المباشرة وإلى حد تشكك فيه كثيرون في مستقبل لبنان وقدرته على البقاء اذا استمرت الأوضاع التي سادت على مدى الفترة الأخيرة.

حقا كان النجاح في تحقيق التوافق الوطني حول انتخاب جوزيف عون رئيسا للبنان بمثابة ميلاد جديد للبنان ويوم تاريخي طالما تطلع اللبنانيون إلى الوصول إليه مع الحفاظ على كل مقدراته ودون خسائر قد تؤثر على حاضره ومستقبله وعلى طابعه المميز لدى كل عربي وفي ظل الدور الذي لعبه حزب الله وحركة أمل في عرقلة جولات الانتخاب العديدة السابقة للرئيس ضمن مماحكات ومكايدات السياسة اللبنانية التي تبدو متسقة مع ما يجري على الساحة اللبنانية وعلى امتداد الشرق الأوسط من حولها والتي وصفها جوزيف عون نفسه بأنها كانت «زلزالا سياسيا» فإنه كان من الحكمة ألا تتوقف أطراف أخرى أمام آخر اجتماع عقده جوزيف عون مع وفد مشترك لحزب الله وحركة أمل وكذلك أمام تصريحات محددة لنبيه بري رئيس مجلس النواب الذي أكد على وحدة الموقف بين أمل وحزب الله و«أنه لكل مقام مقتضاه» صحيح أن البعض رأى في الاجتماع مع عون نوعا من الرغبة في التأكيد على الموقف الشيعي وعلى التزام الرئيس الجديد بالتزامات محددة بالنسبة للحكومة وسياساتها القادمة، من التقارب بين المواقف، ولكن البعض الآخر رأى فيه نوع من تمتين المواقف والتقارب الإيجابي بين مواقف النواب اللبنانيين خاصة بين القوى السياسية المؤثرة وهو أمر مرجح إلى حد كبير في ظل ما هي مقبلة عليه من تقارب إيجابي مرجح في مواقفها في الفترة القادمة. أما المشادة التي جرت في مجلس النواب قبيل التصويت في الجولة الثانية من انتخاب الرئيس فإنها لم تلبث أن تبخرت بعد أن أضفت على عملية انتخاب الرئيس طابعا يتكرر في كثير من المجالس النيابية ولا يترك آثارا ذات قيمة في كثير من الأحيان. جدير بالذكر أن الحياة السياسية في لبنان دخلت بالفعل مرحلة جديدة في ضوء ما جاء في خطاب التنصيب الذي ألقاه جوزيف عون وأن ما تضمنه الخطاب يبعث في الواقع على الارتياح برغم الكم الكبير من المشكلات التي يجد عون نفسه في مواجهتها، وقد أحسن بالفعل أن أكد على جوانب بالغة الأهمية وتحتاج أيضا إلى العمل بتعاون وإخلاص جميع القوى السياسية اللبنانية حتى يستعيد لبنان حيويته وقدرته على المشاركة الإيجابية في كل ما يعود بالخير على لبنان وعلى الدول العربية جميعها. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من المشكلات والتحديات التي تواجه الرئيس عون ومن أهمها:

أولا، أن اللغة التي استخدمها الرئيس المنتخب كانت في الواقع لغة تصالحية يغلب عليها الرغبة الرئاسية في فتح صفحة جديدة مع كل القوى والأطراف اللبنانية بغض النظر عن الماضي، وما حدث فيه لسبب بسيط هو أن الماضي كان محكوما بقواعد ورؤى مختلفة اتفق الجميع على أهمية وضرورة تجاوزها تمهيدا للدخول إلى مرحلة جديدة تشهد توافقا حقيقيا بين مختلف القوى اللبنانية ورغبة حقيقية في تجاوز الماضي بعد أن اختفى الكثير من رموزه الذين كانوا معروفين بمواقفهم الحدية التي عطلت لبنان وأخرت انطلاقه نحو أهدافه التي كان يتطلع إليها داخليا ومع دول الجوار وخاصة سوريا التي ظلت العلاقات السياسية معها مقطوعة منذ نحو خمسة عشر عاما وتم الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية أخيرا بعد الاتفاق مع على أسس العلاقات الجديدة بين الدولتين الجارتين وهو ما بعث على الارتياح في الدولتين الجارتين. وتجدر الإشارة إلى أن ظروف القيادتين الجديدتين في دمشق وبيروت والمخاطر التي تعرض لها كل منهما جعلتهما يدركان أهمية وضرورة الحاجة إلى تجاوز الماضي وادعاءاته الفارغة بشأن العلاقة بين سوريا ولبنان والحفاظ كذلك على استقلال لبنان وسيادته واستقراره وأمنه في كل الظروف بعيدا عن المحاور التي أضرت به وبعلاقات سوريا مع أطراف ظن كثيرون أنها قوية وراسخة حتى تكشفت عن جوانب استبعد كثيرون حدوثها ووصلت إلى إغلاق السفارات وتبادل الاتهامات بين طهران ودمشق وهو ما تسعى الدولتان إلى تجاوزه الآن بشكل ما ولعلها تنجح في ذلك لأنه لا بديل لذلك في الواقع والتي شعرت الدولتان بقيمتها لهما وللعلاقات بينهما في مختلف المجالات. ولن يؤثر على ذلك أن تستغرق المسألة بعض الوقت، ومما له أهمية ودلالة أن الرئيس اللبناني المنتخب أكد أكثر من مرة حرصه على تعزيز وتقوية العلاقات مع الخارج في الفترة القادمة كما أكدت طهران من جانبها على حرصها على تحسين ودعم علاقاتها مع لبنان وأنه ليست لها مطامع في لبنان على أي نحو. وإذا كانت هذه الفترة تشهد مراجعة للعلاقات الإيرانية اللبنانية معززة في الواقع بتحسن وانفتاح واسع وإعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح سفارات عربية مع لبنان مما يعزز موقفها مع الدول الأخرى، فإن بيروت أكدت على حرصها على العلاقات مع الدول الجارة لها وعلى تطويرها بما يفيد مختلف دول المنطقة في النهاية وهو أمر ينعكس بوضوح على الاتصالات والحركة السياسية بين دول المنطقة الآن وفي الفترة القادمة كذلك.

ثانيا: إنه في الوقت الذي أكد فيه الرئيس المنتخب على حرصه على ممارسة مهامه وصلاحياته بعدالة وحيادية ومساواة بين الأطراف اللبنانية وبما يعزز مرحلة جديدة بدأت للتو في لبنان، وهو ما يحتاجه لبنان بحق في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، فإنه أكد في الوقت ذاته على نقطة جوهرية هي تأكيد احتكار الدولة لامتلاك السلاح وأن الدولة وحدها هي من تمتلك السلاح في لبنان في الفترة القادمة وكان موقفه قويا وحاسما وهو ما قد يطرح مشكلات مع بعض الأطراف التي جعلت من نفسها قوة موازية للجيش اللبناني وحرصت في الوقت ذاته على عدم الدخول في مواجهات مع الجيش تجنبا لتصعيد لا ضرورة له وحفاظا على علاقات مهمة مع الجيش والتعاون معه عند الضرورة وهو ما تزداد أهميته على الأرض الآن وفي الفترة القادمة أيضا وفي هذا الإطار الذي يدعمه الجميع تقريبا تزداد حيوية وقيمة التعاون الإيجابي بين الجيش اللبناني وحزب الله مثلا وتزداد أهمية وقيمة ذلك بالنسبة للبنان ومصالحه المباشرة وغير المباشرة والحفاظ أيضا على أرضه وسيادته وتعامله مع إسرائيل وردع أطماعها في الأرض والمياه اللبنانية، وهنا فإن خرائط إسرائيل التي يتم تسريبها لا قيمة لها لأنها تخدم مصالح إسرائيل وفق ادعاءات لا تقوى على المناقشة الجادة والموقف اللبناني العملي بالغ الأهمية في مواجهة ذلك في النهاية وسيتوقف الكثير في الواقع على تماسك موقف بيروت من تطبيق قصر امتلاك السلاح على الجيش اللبناني تمهيدا لمنع انتشار الميليشيات والجيوش الخاصة التي تضر في النهاية بدرجة كبيرة بلبنان وحاضره ومستقبله وهو ما لا يحتاجه لبنان على أي نحو ومن المهم التعاون الجاد لتحقيقه على الأرض.

ثالثا: عانى لبنان خلال الفترة الماضية من مشكلات اقتصادية ومالية حادة كادت تعصف به ووقعت حوادث وتجاوزات من جانب بعض المودعين مع عاملين في البنك المركزي اللبناني لسحب مدخراتهم أو بعضها، وزادت المخاوف على المدخرات بعد شيوع فساد الأمين العام للبنك المركزي اللبناني واتهامه في عدة قضايا منها قضايا غسيل أموال، ولعل هذا هو ما جعل الرئيس المنتخب يتعهد في خطابه بالحفاظ على أموال المودعين ولا يتهاون فيها وهي رسالة مهمة لطمأنة المودعين وتحقيق استقرار اقتصادي ومالي يحتاجه لبنان بشدة في هذه المرحلة، يضاف إلى ذلك أن مسألة تشكيل الحكومة الجديدة والتوافق على السياسات التي سيتم اتباعها تعد مسألة ضرورية من المهم والضروري الاتفاق عليها خاصة وأن هناك سابقة تمثلت في حكومة رئيس الوزراء اللبناني الحالي.. التي تحظى بتأييد واسع النطاق وقد بدأ عون مشاورات تشكيل الحكومة والمهم التخلص قدر الإمكان من المحاصصة السلبية ومحاولات البعض عرقلة قدرة لبنان على الانطلاق لتحقيق طموحاته ومصالحه غير أن تصميم الرئيس اللبناني المنتخب والتمسك بها وتعاون القوى السياسية اللبنانية معه يدعمه في مواجهة أية محاولات متعمدة للحد من انطلاقته الذي يؤيده اللبنانيون داخل لبنان وخارجها. والجميع ينتظر نجاح عون في مهامه الصعبة والعاجلة أيضا.

أخبار ذات صلة

0 تعليق