يُعد الكاتب البريطاني ويليام شكسبير (1564-1616) أحد أشهر الكتاب فـي التاريخ؛ نظرًا لغزارة إنتاجه وتنوعه وعبقريته الفذة وخاصة فـي الكتابة المسرحية التي لا تزال تُمثل على خشبة المسرح رغم مضي أكثر من أربعمائة سنة على رحيله. عُرِف عن شكسبير تركه الدراسة فـي سن الثامنة عشرة لأسباب لا تزال مجهولة، ولكن يعزوها البعض إلى دفع العائلة الشاب إلى العمل لإعالة نفسه والأسرة، كحال الأسر التي ترغم أبناءها على العمل فـي سن مبكرة. هذا الشاب الذي ترك الدراسة يسمى بأبي اللغة الإنجليزية مثلما توصف اللغة الفرنسية بلغة موليير واللغة الروسية بلغة بوشكين واللغة الإسبانية بلغة سربانتس واللغة الإيطالية لغة دانتي واللغة الألمانية بلغة جوته. نظرًا لما قدموه للغاتهم ومنهم شكسبير الذي أضاف أكثر من ثلاثة آلاف كلمة إلى القاموس الإنجليزي نصف هذا العدد أُدخِل إلى الإنجليزية لأول مرة. ومع ذلك لم ينج من تهمة الانتحال ففـي عام 2005م، صدر كتاب بعنوان «وصية الحقيقة: إماطة اللثام عن شكسبير الحقيقي»، أُتِهم فـيه شكسبير بالانتحال وذُكر بأن معظم كتاباته كانت بقلم السياسي والدبلوماسي البريطاني هنري نيفـيل (1564-1615)، لأن شكسبير لم يخرج خارج حدود المملكة المتحدة، ولم يزر مدينة فـيرونا الإيطالية التي تدور فـيها أحداث مسرحيته الشهيرة روميو وجولييت، وكذلك مسرحيته عُطيل التي تدور مجرياتها فـي مدينة البندقية وسواحل البحر المتوسط.
إن شكسبير المقصود فـي العنوان ليس شكسبير الكاتب والشاعر والمسرحي، وإنما ويليام شكسبير (1878- 1915) آخر، كان وكيلًا سياسيًا فـي الكويت من 1909 إلى 1915م، قُتِل فـي معركة جراب عام 1915. وقد أحدث اسمه التباسا لدى العديد من الشخصيات، فقد قيل إن أحد الأمراء الخليجيين المعاصرين له، يتباهى أمام الأوروبيين بأنه يعرف شكسبير، وظن الأوروبيون أن الشيخ مُطلع على أعمال شكسبير الأدبية والمسرحية.
أوردت السياسية البريطانية جيرترود بيل (1868-1926) فـي كتابها «أوراق منسية من تاريخ الجزيرة العربية» والمترجم من قبل الكاتب والمترجم الكويتي عطية بن كريم الظفـيري، أوردت بيل فـي تقاريرها الاستخباراتية معلومات عن الكابتن شكسبير تقول عنه: «يرتبط عبد العزيز بعلاقة شخصية مع الكابتن شكسبير، وكيلنا السياسي فـي الكويت، ولم يكن هناك شيء أكثر تأكيدًا على أن ظهوره على ساحل الخليج سيجعله فـي نهاية المطاف على اتصال مباشر مع بريطانيا العظمي، ولكن قبل تحديد المسألة الصعبة بشأن علاقته الدقيقة مع القسطنطينية فإن اندلاع الحرب مع تركيا أعفانا من كل الالتزامات بالحفاظ على موقف محايد. فـي شتاء عام (1914-1915) شق الكابتن شكسبير طريقه للمرة الثانية إلى داخل نجد، واشترك مع ابن سعود الذي كان يزحف نحو الشمال لصد هجوم ابن رشيد المدَّعم من قبل الأتراك، والتقت القوتان فـي جراب فـي التحام غير حاسم، وشارك فـيه الكابتن شكسبير ليس بصفته مقاتلًا، لكنه جرح وقتل، ولقد فقدنا فـيه ضابطا شجاعا ذا معرفة بوسط شبه الجزيرة العربية (نجد) يتمتع بمهارة نادرة فـي التعامل مع رجال القبائل، وهذه الخصلة ساعدته فـي أداء مهنة مفـيدة ومتميزة، ولقد عاشت أعماله بعده».
يورد المترجم فـي هامش الصفحة (81) من الكتاب المذكور، وقائع المعركة التي أصيب فـيها شكسبير فـي يناير 1915، وكان يقاتل إلى جانب الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أمير الرياض، ضد قوات سعود العبد العزيز الرشيد أمير حائل. كتب شكسبير قبل مقتله رسالة إلى جيرترود بيل، قال فـيها: «إن ابن سعود يستعد الآن للقيام بحملة عسكرية ضد ابن رشيد، وسوف يهزم جيش ابن رشيد هزيمة نكراء، وأنه ليس من المستغرب أن نكون فـي حائل فـي الشهر القادم، وأصبح أنا مستشارا سياسيا لابن سعود».
لم يُمهل القدر شكسبير ليكون مستشارا لدى ابن سعود، إذ قتلته قوات ابن رشيد فـي جراب «قرية سعودية تابعة لمحافظة المجمعة»، ودُفن فـي الكويت، لتطوى بذلك سيرة رجل سعى إلى تمتين العلاقة بين البريطانيين وآل سعود ضد الحلف العُثماني وآل رشيد. وبقي اسمه منافسا لأشهر الكُتاب البريطانيين، ليُجسد بذلك السجال الأزلي بين الثقافة والسياسة.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
0 تعليق