«العامرات قُرَّة العين» - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

كمْ منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبدا لأول منزل

كمْ أحببت هذا البيت لأبي تمّام، لكنّني متيّم أكثر بأرض العامرات الطيبة، التي قضيت فيها طفولتي، وجلّ أيام حياتي إلى الآن. العامرات، المعروفة بجبالها التي تحيط بها وتسوّرها من كلّ الاتجاهات، وكأنّها قلعة حصينة تحفظ درّة مصونة في قلبها. إنّها الولاية المتفرّدة بتضاريسها المتنوّعة، ومساحاتها الشاسعة، وطبيعتها النقيّة، وينابيعها المنْسابة، وفنونها الشعبيّة، ومواقعها الأثرية، ونهضتها العمرانية الحديثة، وأهميتها الاقتصادية قديما وحديثا، وغير ذلك من دواعي عشقي السرمديّ لها.

العامرات، وعلى الرغم من الطفرة العمرانية، والزحف السكانيّ الكبير الذي طرأ عليها في السنوات العشر الأخيرة؛ نتيجة الهجرة العكسية، وعوامل أخرى، تبقى كما هي، الحالمة الهادئة، والمختلفة الجاذبة لكلّ الاستثمارات البشرية والمادية، التي أثّرت تدريجيا على التركيبة السكانية في الولاية، مثلها مثل الولايات المركزية، التي تمازجتْ فيها الكثير من القبائل والعوائل، من جميع أرجاء المعمورة (سلطنة عمان)؛ ليتّخذوها سكنا دائما؛ نظرا للتخطيط العصريّ، والخدمات المتاحة، ناهيك عن موقعها الوسطيّ المميّز، الذي يربط الكثير من الولايات، كيف لا؟ وهي تقع في قلب محافظة مسقط، حيث تحدّها من الشمال ولاية مطرح، ومن الغرب ولاية بوشر، ومن الشرق ولاية مسقط، ومن الجنوب ولاية قريات، ومن الجنوب الغربيّ ولاية دماء والطائيين في محافظة شمال الشرقية.

ولاية العامرات من الولايات قديمة العهد، فقد أكدتْ بعض البحوث العلمية والمشاريع البحثية لحصر وتوثيق الفنّ الصخريّ على اكتشاف العديد من الآثار فيها، وقد حصرتْ في بضع مواقع متفرقة من الولاية، ويعدّ كتاب «حصر وتوثيق الفنّ الصخريّ في ولاية العامرات» توثيقا علميا لهذه الحقيقة الغائبة عن كثير من الناس، وقد تعاون في تأليف الكتاب وإنجاز المشروع فريق من الباحثين، وهم: الدكتور حبيب بن مرهون الهادي، والدكتور سيف بن يوسف الأغبري، والأستاذ سليمان بن صالح الراشدي، حيث يعرف الفنّ الصخريّ بأنّه من صنع الإنسان، وهو عبارة عن معالم نقشتْ على الحجر الطبيعيّ، تتكوّن من رسومات وعلامات وضعها الإنسان القديم لأغراض مختلفة، وقد عثر في العامرات على العديد من الرسومات التي تحاكي بعض الحيوانات، مثل الأفاعي، حيث يذكر علماء الآثار أنّها تعبّر عن الرموز الدينية لتلكم الشعوب قبل الميلاد.

وغنيّ عن الذكر أنّ للولاية عمقا تاريخيا مشهودا، فقد ارتبطت المنطقة ببعض الأحداث التاريخية، التي فنّدها الدكتور سيف بن سالم الهادي (الخبير الإعلاميّ) في أكثر من مناسبة، وذكر منها سبب تسمية «حطاط» وهو الموقع الذي حطّ فيه جيش الحجاج بن يوسف الثقفي، والذي اتّخذ كمستراح للجيش، وكنقطة انطلاق لغزو العاصمة العمانية آنذاك، وقد فشل فشلا ذريعا في ضمّ عمان للحكم الأمويّ، وتمّ دحر جيوشه وحملاته العسكرية المتكررة، كما ذكر الدكتور سيف الكثير من الشواهد التاريخية المهمة، منها ما سردتْه بعض الكتب التاريخية، كيف أنّ مشروع الوقف للقرية التي كان يطلق عليها الناس «المتهدّمات» (لمنظر المباني المتهدمة لمرور الزمن وهجرة سكانها)، تحوّل إلى الضدّ تماما؛ إثر المخاطبة الشهيرة بين السيدة الوقورة خولة بنت حمود البوسعيدية، وفضيلة الشيخ العلامة سعيد بن ناصر الكندي، راعي المصالحة التاريخية التي أطلق عليها «اتفاقية السيب»، حيث بادر فضيلة الشيخ إلى تغيير الاسم بعد أن وهبتْ له، ليسمّيها بالعامرات التي دبّتْ فيها الحياة مرة أخرى، بعد أن استلمتْها الأيادي العلمية والأمينة التي استثارتْ ماضيها التليد، لتستشرف مستقبلها المشرق.

وبما أنّ الولاية جمعتْ بين التاريخ والأصالة والحداثة، فقد كان للعامرات نصيب من الاهتمام الوافر لدى السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيّب الله ثراه - حيث كانت الاختيار الأول لأنْ تكون المقرّ الرئيس للأقمار الاصطناعية؛ نظرا لأهمية موقعها للغرض المرصود لها، وفي العام المنصرم 2023م تهيّأتْ لها أيضا زيارة تاريخية كريمة من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظّم - حفظه الله ورعاه - لمدرسة السلطان فيصل بن تركي؛ للاطلاع عن كثب على سير العملية التعليمية، والوسائل الحديثة للإثراء المعرفيّ والعلميّ؛ ممّا يؤكّد على النظرة الثاقبة لمولانا صاحب الجلالة لضرورة تطوير وتمكين هذه الولاية في المستقبل القريب بإذن الله.

وكما أسماها فضيلة الشيخ سعيد، فقد شهدْنا التغيرات المطّردة في عصر النهضة المباركة، ونراها اليوم تتجسّد في عصر النهضة المتجددة، فهي دائمة العمران، ودائبة التجدد، فنعْم بهذه الولاية العريقة المنبت، والحديثة الحاضر، والواعدة المستقبل.

نختم المقال بكلمات عذبة، نظمتْ بحروف الفقيه الناظم للشعر الشيخ عيسى بن سعيد بن ناصر الكندي، وهي قصيدة تغنّى فيها بالعامرات:

على ظبيات العامرات سلام

سلام مشوق قد جفاه منام

أحمله ريح الصّبا إنْ سرتْ إلى

ديار بها أهل الحبيب قيام

إذا نسمات العامرات تنفّستْ

سكرتْ كمنْ قد عاقرته مدام

حمامات وادي العامرات ترنّمي

فقلبي إلى أسجاعكنّ هيام

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق