لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ «قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمين إياها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوّقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم «العيوق» ولأن العرب تختار أسماء النجوم من مسميات بيئتها التي تعيش فـيها فقد اختارت لهذا النجم اسم «العيوق» ومعناه صغير الماعز، وهذا النظام النجمي يعد فـي المرتبة السادسة من حيث لمعانه فـي السماء، وهو ويقع فـي كوكبة ممسك الأعنة، وهي كوكبة بارزة فـي نصف الكرة الشمالي، وعادة العرب فـي القديم أن تقوم بتقسيم النجوم فـي كل ناحية من السماء والتي تقترب من بعضها البعض بتسميتها بالكوكبة، وفـي الحقيقة أن نجم العيوق هو ليس نجما مفردا، وإنما هو نظام نجمي يتكون من نجمين رئيسيين وكل نجم فـيهما يبلغ قطره 10 أضعاف قطر شمسنا، بالإضافة إلى نجمين قزمين، فهو عبارة عن أربعة نجوم تشكل هذا النظام النجمي الذي استدل عليه العرب قديما فـي معرفة الجهات فـي الصحراء وعند ركوبهم البحر.
ويبعد نجما العيوق الرئيسيان عن بعضهما البعض مسافة مائة مليون كيلومتر، ويكملان الدوران حول قطريهما فـي مدة تقدر بـ 104 أيام، بينما يبعد هذا النظام النجمي عن الأرض حوالي 42 سنة ضوئية ولذلك يعتبر من النجوم القريبة إلينا نسبيا، يقدر العمر الحالي لكلا النجمان بـ 500 مليون عام.
ولأن العرب فـي صحرائهم كانوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وكانوا يعتمدون على النجوم فـي دخول المواسم وخروجها، وهي دليلهم فـي رحلاتهم شتاء وصيفًا، فلم يكن نجم العيوق بمعزل عن أشعارهم، فنجد أكرم العرب الشاعر الجاهلي حاتم الطائي يذكر هذا النجم فـي مطلع قصيدته فـيقول:
وَعاذِلَةٍ هَبَّت بِلَيلٍ تَلومُني
وَقَد غابَ عَيّوقُ الثُرَيّا فَعَرَّدا
تَلومُ عَلى إِعطائِيَ المالَ ضِلَّةً
إِذا ضَنَّ بِالمالِ البَخيلُ وَصَرَّدا
حتى أن أحد أشهر قصائد الرثاء فـي الشعر العربي وهي القصيدة التي رثى بها الشاعر أبو ذؤيب الهذلي خمسة من أبنائه وهو شاعر مخضرم الذي عاش فـي الجاهلية والإسلام ومطلعها:
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ
وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
ويقول فـيها:
فَوَرَدنَ وَالعَيّوقُ مَقعَدَ رابِىءِ ال
ضُّرَباءِ فَوقَ النَظمِ لا يَتَتَلَّعُ
حتى فـي شعر الهجاء استخدم العرب هذا النجم، فنجد أن الشاعر الأموي البعيث المجاشعي يهجو الشاعر المشهور جرير بأبيات مقذعة ويذكر نجم العيوق فـي مطلع قصيدته فـيقول:
إذا طلع العيوق أول كوكب
كفى اللؤم عند النازحين جرير
كما استخدم العرب هذا النجم فـي قصائد المدح فنجد الشاعر العباسي أبو عثمان الخالدي يصف قلعة عالية ويمدح بانيها فـيقول:
وقَلْعَةٍ عَانَقَ العيُّوقُ سَافِلَها
وجَازَ مَنْطِقَةَ الجَوْزا أَعالِيها
لا تَعْرِفُ القَطْرَ إِذْ كَان الغَمامُ لَها
أَرْضًا تَوَطّأُ قطريه مَواشيها
وهذا الشاعر الشهير أبو تمام الطائي الذي عاش فـي العصر العباسي يمدح قوما بقصيدة ويذكر فـيها نجم العيوق فـيقول:
لَو خَرَّ سَيفٌ مِنَ العَيّوقِ مُنصَلِتًا
ما كانَ إِلّا عَلى هاماتِهِم يَقَعُ
إِذا هُم شَهِدوا الهَيجاءَ هاجَ بِهِم
تَغَطرُفٌ فـي وُجوهِ المَوتِ يَطَّلِعُ
وَأَنفُسٌ تَسَعُ الأَرضَ الفَضاءَ وَلا
يَرضَونَ أَو يُجشِموها فَوقَ ما تَسَعُ
ومن قصائد المدح فـي العصر العباسي التي ذكرت نجم العيوق قصيدة الشاعر بديع الزمان الهمذاني التي يقول فـيها:
لك يا عماد المشرقين وإنها
كالنجم دونك أو أعز منالا
فلئن سلبنك خاتميك لقد غدت
تاجًا عليك فهل نقصنك حالا
فليبلغ العيوق فصك وليكن
مثل الشقائق وليزن مثقالا
0 تعليق