كتابٌ حول جماليات السّينما الوثائقيّة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الجزائر "العُمانية": يتجاوز الفنُّ، في جوهره، حدود اللُّغة والمنطق ليخاطب الروح الإنسانية بمفاهيم أعمق من الإدراك العقلي السّطحي.

وفي هذا الإطار، يأتي كتابُ "جماليات السّينما الوثائقيّة: إضاءات فكرية ودراسات سيميولوجية" لمؤلّفه، د. توفيق ذباح، كدعوة إلى قراءة جديدة للفن السابع، السينما، والسيميولوجيا، من خلال عدسة الجماليات.

ويؤكد المؤلّف، في تقديم هذا الإصدار، بالقول "ليس هذا الكتابُ مُجرّد دراسة عن السّينما الوثائقيّة من حيث، التقنية أو الشكل، بل هو محاولة لفهم البنية الجمالية التي تتحرّك في خلفية الأفلام الوثائقيّة، متجاوزة ما نراه على الشاشة، لتكشف عن قوّة الفنّ في التأثير على وعي الجمهور. إنّه رحلة فكرية تأخذ القارئ إلى عمق المفاهيم الجماليّة، حيث تتلاقى الفلسفة والفن في مساحة تسمح بتجاوز التقاليد الجماليّة المألوفة، نحو آفاق جديدة من التحليل والتفسير".

ويضيفُ المؤلّف "الكتاب يطرح أسئلة حول طبيعة الجمال في السينما، وكيف يمكن للأفلام الوثائقية أن تُعبّر عن الواقع بأسلوب يتحدّى الخيال، ليمنحنا فهمًا أعمق للعالم من حولنا. هنا، يبقى السؤال حول طبيعة الجمال وتأثيره على الإنسان محورًا رئيسيًّا للنقاش الفلسفي والفني. ومن بين الفنون التي استطاعت أن تجمع بين الجمال والتعبير عن الواقع تبرز السينما الوثائقية كأحد أكثر الأشكال الفنيّة تأثيرًا وعُمقًا. ولا يُعتبر هذا الكتاب "جماليات السينما الوثائقية.. إضاءات فكرية ودراسات سيميولوجية"، مجرّد دراسة أكاديميّة حول الأفلام الوثائقيّة، بل هو رحلة فكرية عميقة في مفاهيم الجماليات وكيفية تداخلها مع السّرد السينمائي".

ينطلق الكتاب من تأصيل نظري لمفاهيم السّينما والجماليات، إذ يتمُّ وضع السّينما الوثائقية في إطارها التاريخي والفلسفي. ويعالج الفصل الأول من الكتاب المأسسة المفاهيميّة، مُستعرضًا الأبعاد المختلفة للسّينما كفن، بما في ذلك تطوُّرها، منذ بداياتها وحتى العصر الحديث. كما يناقش التمييز بين السّينما الروائية والسّينما الوثائقية، مع توضيح الخصائص الفنيّة والجماليّة التي تُميّز الأفلام الوثائقيّة عن غيرها.

كما يُركّز هذا الفصل أيضًا على مفهوم الجماليات، ليس فقط كتعريف فلسفي، ولكن كأداة تحليليّة لفهم الجوانب الفنيّة في السّينما الوثائقية، وكيف يمكن لفيلم وثائقي أن ينقل حقائق الحياة اليوميّة بأسلوب يجعل منها تجربة جماليّة فريدة؟ هذا التساؤل يُمثل نقطة انطلاق للكتاب في استكشاف العلاقة بين الواقع والجمال الفنّي.

ويتناول الكتابُ، في فصوله التالية، جوانب الجماليات السّينمائيّة من زوايا مُتعدّدة، بدءًا من الفكرة والعنوان، مرورًا بالصوت والموسيقى، ووصولًا إلى الديكور والإضاءة والألوان. وهنا يظهر تداخل الجماليات السّينمائية مع العناصر الفنيّة التي تُشكّل الفيلم الوثائقي، وكيف يمكن لهذه العناصر أن تتضافر لخلق تجربة حسيّة وجماليّة متكاملة. وهل يمكن للصورة أو الصوت في فيلم وثائقي أن يُعبّر عن أكثر من مجرّد تسجيل لحظات عابرة؟

ويجيب الكتابُ على هذه التساؤلات من خلال تحليل مُفصّل للأفلام الوثائقيّة وإظهار كيف أنّ التفاصيل الصّغيرة، مثل زاوية الكاميرا أو نغمة الموسيقى، يمكن أن تكون حاسمة في توصيل رسالة الفيلم.

بعد ذلك، ينتقل الكتاب إلى دراسة جماليات السّرد السّينمائي. ويعالج هذا الفصل كيفية استخدام السّينما الوثائقية للسّرد كأداة فنيّة، حيث لا يُنظر إلى السّرد على أنّه مجرّد تسلسل للأحداث، بل كعملية جماليّة تساهم في تشكيل التجربة السّينمائية. وكيف يمكن للسّرد أن يتحوّل إلى لغة جماليّة، وما هي الأدوات التي يستخدمُها المخرجون لتوصيل هذه اللُّغة؟

كما يُولـي الكتابُ اهتمامًا كبيرًا لجماليات المونتاج؛ فالمونتاج لا يُعتبر هنا مجرّد عمليّة تقنية لتنظيم اللّقطات، بل هو عملية جماليّة تُسهم في تشكيل بنية الفيلم وتحويله إلى عمل فنّي متكامل. ويناقش الكتاب أيضا كيفية تأثير اختيار اللّقطات وترتيبها على بناء الجمال السّينمائي، وكيف يمكن أن يكون المونتاج أداة لنقل الإحساس بالواقع بطرق تتجاوز ما هو مرئي.

وفضلًا عن ذلك كلّه، يُبَررُ الكتاب العلاقة بين السّينما الوثائقية والروائية، ويعرضُ التداخلات والتقاطعات بينهما، مُوضّحًا كيف يمكن للأفلام الوثائقيّة أن تستخدم أساليب روائيّة لخلق تأثير درامي وجمالي أعمق. هذا التداخل بين الواقع والخيال، بين الوثائقي والروائي، يُشكّل جزءًا مهمًّا من النقاش حول السّينما والجماليات.

ويفتح الكتاب أخيرًا بابًا للتأمُّل في مستقبل السّينما الوثائقيّة من منظور جمالي، وكيف ستتغيّر مفاهيم الجماليات مع تطوُّر التكنولوجيا واستخدام التقنيات الرقميّة في السّينما؟ وكيف سيستمرُّ المخرجون في استكشاف الجوانب الجماليّة للأفلام الوثائقيّة في ظلّ هذه التغيرات؟

ويُوجّه كتاب "جماليات السّينما الوثائقية.. إضاءات فكرية ودراسات سيميولوجية" دعوة للقارئ، سواء كان باحثًا في حقل الإعلام والاتصال، أو مخرجًا، أو ناقدًا، أو عاشقًا للفن، إلى إعادة النظر في الأفلام الوثائقية من زاوية جديدة، ويُقدّم أيضا دراسة عميقة للعناصر الجمالية التي تُميّز هذا النوع من السّينما، وتحليل كيفيّة استخدامها لتقديم الواقع بطريقة تتجاوز حدود التسجيل العادي للأحداث.

أخبار ذات صلة

0 تعليق