مجلة «البرواز» .. وكأن اللوحات الفنية تخرج من الإطار - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مجلة «البرواز»، فصلية تعنى بالفنون البصرية، أشْرَفَتْ على نشرها «الجمعية العمانية للفنون التشكيلية» التابعة لديوان البلاط السلطاني، صدر منها ثلاثة أعداد فقط، العدد الأول في مارس 2010م، والثاني في ديسمبر 2010م، والثالث في يوليو 2013م، تشكلت الأعداد الثلاثة برئاسة تحرير من الشاعر الراحل زاهر الغافري (توفي: 21 سبتمبر 2024م)، لتكون المجلة بصمة تحسب ضمن اشتغاله الثقافي، وفي هذه الأعداد أسهمت بكتابة مواد، تتراوح بين التغطيات والمقالات والحوارات، كما كان لي في العددين الثاني والثالث إسهام تحريري، حيث عملت مع الشاعر الغافري محررًا فنيًا لمواد المجلة، ومعًا شكلنا أسرة تحرير صغيرة، لقراءة مواد المجلة ومتابعة تنفيذها، وكانت تلك المواد تصل إلى المجلة عبر البريد الإلكتروني لزاهر، من أصدقائه الفنانين والكتَّاب، من عُمان وخارجها، كتَّاب ونقاد وفنانين، لهم إسهامهم في الكتابة النقدية في الفن التشكيلي، فالغافري له جمهرة من العلاقات مع الأدباء والفنانين والنقاد، عزز ذلك حضوره كشاعر في مهرجانات الشعر.

بدا زاهر نشيطًا في العددين: الأول والثاني، إذ صدرا في عام واحد: (2010م)، وتأخَّر العدد الثالث عن الصدور أكثر من عامين ونصف، لأسباب كثيرة، أهمها عدم وجود كادر يعمل على متابعة نشر المجلة، فقد كانت بحاجة إلى منفِّذ حاسوبي، ومراجع لغوي، ولكن في النهاية صدر العدد الثالث بإخراج جميل.

واليوم أقلِّب صفحات المجلة، بعد مرور أحد عشر عامًا على صدور عددها الثالث والأخير، وبعد وفاة رئيس تحريرها الغافري، محتفظًا بنسخة واحدة من كل عدد، ففيها جزء من اشتغالي الصحفي، وقد نشرت في صفحاتها حوارين أراهما مهمين، الأول مع فنان الضوء: سيف بن ناصر الهنائي، والثاني مع فنان الرِّيشة: أنور بن خميس سونيا، إلى جانب مقالات في الفن التشكيلي، وكتابة استطلاعات وتغطيات صحفية عن معارض فنية، أثْرَتْني كصحفي مهتم بالعمل الثقافي خلال تلك الفترة، وكانت المجلة بالنسبة لي تجربة مهمة، رغم قلة أعدادها وقصر أيامها، وكلما تصفحت «البرواز»، تذكرت تلك الأيام التي كنت أذهب فيها إلى «جمعية الفنون»، في مقرها السابق بضاحية «الصَّاروج»، وألتقي بالشاعر دمث الخلق حد الخجل، المبدع زاهر الغافري، والذي كنت أعرفه منذ بدايات عملي الصحفي في جريدة "عُمان"، في أواخر الثمانينات، وعرفته أكثر بعد ذلك في لقاءات مشبعة بالحفاوة والمودة، وأجريت معه حوارًا نشرته في العدد الأول من مجلة «زوايا ثقافية»، التي صدر منها عددان يتيمان عن «وزارة التراث والثقافة»، خلال النصف الثاني من عام 2006م، بمناسبة مسقط عاصمة للثقافة العربية، أما هذا التقليب لصفحات مجلة «البرواز» الأنيقة، فأكتبه بمحض ود ووفاء، ووردة أهديها إلى زاهر المبدع، لعل شذاها يصل إلى روحه البعيدة عن دنيانا، أشبه بتذكار «يقرع ناقوس النسيان»، لأيام جمعتنا المجلة، وتقاسمنا طاولة تحرير واحدة.

ذات يوم تلقيت اتصالا هاتفيًا من الشاعر زاهر، حدثني فيه عن رغبته في إصدار مجلة تُعنى بالفنون البصرية، وسيكون رئيس تحرير لها، وطلب مني أن أسهم في المجلة بحوار مع شخصية فنية، فوقع الاختيار على المصور سيف الهنائي، وكان الفوتوغرافي سيف قد نشر في عام 2006م كتابًا أسماه: «انطباعات بصرية»، ضمَّنه مجموعة من صوره الضوئية بالأبيض والأسود، فأجريت الحوار في منزله، تحدث فيه عن بدايات تجربته في التصوير، حتى حصوله على لقب «الفياب»، ورئاسته لنادي التصوير الضوئي، وأفاض بحديث شيق في تصويره للوجوه بشكل خاص، نُشِر الحديث في العدد الأول من «البرواز»، وأقيم لتدشينه احتفالية رسمية كبيرة، وُزِّعت خلاله على الحضور أعداد من المجلة، وكانت بداية مبشرة بمجلة عمانية متخصصة في الفنون، كانت أحلام زاهر الغافري كبيرة لإخراج مجلة فصلية، تُعْنى بالفنون البصرية، فجاء العدد الأول من 150 صفحة، يشبه في حجمه «مجلة نزوى» الثقافية.

وإلى جانب اسم زاهر الغافري رئيسًا للتحرير، ظهر في الإشراف العام على العدد الأول، اسم التشكيلية مريم بنت محمد الزدجالية، واستمرت مريم في الإشراف على الأعداد الثلاثة الصادرة من المجلة، باعتبارها رئيسة لجمعية الفنون التي تصدر عنها المجلة، كما ظهر اسم الكاتبة الناقدة د. آمنة الربيع، نائبة لرئيس التحرير، وأحمد البوسعيدي منسقا للتحرير، ودعد يونس وقَّاف، من مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان، معالجة للصور والتحضير الجرافيكي وتعديل الإخراج، وتبدو هذه الأسماء أقرب ما يكون إلى هيئة تحرير للمجلة.

تضمن العدد الأول ستة محاور، وهي: الافتتاحية، والدراسات، وملف العدد، والحوار، والفعاليات، ومحور حمل اسم آفاق، وُقِّعت الافتتاحية باسم: البرواز، لعلها بقلم رئيس التحرير، وبعدها نقرأ اسمه كاتبًا لمقالة بعنوان: «سحر الجاذبية الخفي»، وتضمنت المجلة مقالة بقلم الشاعر سماء عيسى، الذي ظهرت له بصمة في أعداد المجلة، نقرأ له في العدد الأول مقالة بعنوان: «اقتراب من صمت الأرض وفجائعها»، عن تجربة الفنان سيف العامري، وتضمن العدد الأول ملفًا أعدته مريم عبدالكريم، تابعت فيه «مسيرة الحركة التشكيلية النسائية في عُمان»، كما رسمت الفنانة لوحة غلاف المجلة، أما فصل الفعاليات، فقد غطت المجلة مجموعة من الملتقيات والمعارض الفنية، وتناولت في فصلها الأخير آفاق، إنجازات الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، هذه كانت التجربة الأولى من المجلة، أشبه بقطاف يانع من شجرة لا تزال في طور النمو.

وظهر العدد الثاني في ديسمبر 2010م، عدد صفحاته تبلغ 156 صفحة، وقد أضفى اللون التركوازي على غلافي المجلة جمالا ورونقا، متناسقا مع صورة الغلاف للتشكيلي إدريس الهوتي، وفي هذا العدد ظهر اسمي على المجلة محررًا فنيًا، وأنجزت للمجلة ملف العدد، وكان بعنوان: «مسيرة الفن التشكيلي خلال 40 عامًا»، قدمته بصيغة المتحدث عن تجربته، من التشكيليين العمانيين، وضمنته لوحات فنية، بريشة من حاورتهم والتقيت بهم، أما الإخراج الفني ومعالجة الصور فظهر باسم خميس بن حمد الجرادي، ونقرأ في العدد دراسات بأقلام عمانية وعربية، من بينها مقالة كتبها التشكيلي يوسف البادي بعنوان: «موت الفكرة عند الفنان التشكيلي»، وكتبت د. فخرية اليحيائية مقالة بعنوان: «الفنان التشكيلي العربي والبحث عن الهوية»، أما الأسماء العربية فمن بين من كتب في المجلة كل من: الناقد حاتم الصكر، وفاضل سوداني، ومحمد نجيم، وعلى النجار، وجليل حيدر وغيرهم، ويختتم العدد بنص شعري لسماء عيسى بعنوان: «المحارب النائم في لوديف»، كتبه تأسيسًا على منحوتة للنحات الفرنسي بول دارد.

وصدر العدد الثالث والأخير بحجم أصغر بالثلث عن سابقَيْه، إذ لا يزيد عدد صفحاته عن مائة صفحة، احتفظ العدد بالافتتاحية التي كتبها زاهر بعنوان: «تعاون عابر للزمن»، وبدأ فصل الدراسات بمقالة، كتبتها عن «الخط واللون في المنازل العمانية القديمة»، تحدثت فيها عن تجربة تنقيش الجذوع، وزخرفة الأسقف الخشبية، في البيوت العمانية القديمة، ونشرت في العدد حوارًا أجريته مع أنور سونيا، مع لوحات للفنان ضمن مادة الحوار، ونشرت له لوحة في غلاف المجلة، رسمت تفاصيلها أحد كتبة البيع والشراء في الأسواق العمانية، وكتب الشاعر سماء عيسى قراءة في أعمال التشكيلي العماني حسن مير، بعنوان: «أشجار في القلب»، كما كتب الشاعر عبدالرزاق الربيعي مقالة عن اللقاء الأول الذي جمعه بالفنان والناقد التشكيلي العراقي شوكت الربيعي، بعنوان: «شوكت الربيعي موسوعة جمالية»، وحينها كان الأستاذ شوكت مقيمًا في مسقط، ونثر الفوتوغرافي خميس بن علي المحاربي بوحه في مقالة بعنوان: «ثلاث ساعات في انتظار ولادة صورة» وغيرها من المقالات لكتاب عرب.

ولكن مما يؤسف له أن تتوقف هذه المجلة عن الصدور، يقينا من أن الساحة الثقافية والفنية في سلطنة عمان بحاجة إلى مجلة متخصصة كهذه، توثق تجربة مبدعيها في مختلف الفنون، وتكون رديفة لمجلات أخرى تتصف بالشمول الثقافي، مما يؤسف له كذلك، أن هذه المجلة لم تُقابَل بحفاوة من قبل الوسط الثقافي، الأقلام العمانية في أعدادها الثلاثة قليلة، وفي الساحة أقلام تكتب في النقد الفني، في التشكيل والتصوير والمسرح، ولم يكن لها حضور في المجلة، لربما كانت في بداياتها، نبتة صغيرة لم تروها سحائب الحياة، ولم تدفع بها إلى النمو والسموق، بالكاد تفتحت بثلاث زهرات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق