"فيلم المادة".. مزيج من الغرائبية والفانتايزيا في حياة فتاة الاستعراض - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دراما فيلمية عن الاستنساخ البشري والسخرية من صانعي النجوم

امرأتان تتكاملان في مواجهة قدرهما من خلال الاستبدال الذي يفضي بهما إلى الكارثة

يحضر الزمن بقوة عاملا مهما وفاعلا في المشهد السينمائي ويتعدى مجرد كونه قوة تقسم من خلالها مسارات الأحداث ونمو الدراما وتدفق السرد الفيلمي إلى كونه تحديا وجوديا استثنائيا يدفع بالشخصيات إلى مواجهات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تحديات مصيرية في محاولة التلاعب بالزمن أو مقترباته أو السعي لتغيير مساره بشكل ما، ومن هنا انشغلت السينما مبكرا بهذا العنصر المهم وشهدنا العديد من الأفلام السينمائية التي يطغى عليها هذا العامل الحيوي الخطير ويحضر في ذهني فيلمان هما الحلقي – للمخرج رايان جونسون والقضاء والقدر للمخرجين مايكل وبيتر سبيرج وهما فيلمان نوعيان يلامسان كل الإشكاليات التي تحدثنا عنها وبالطبع هما فيلمان يشكلان امتدادا لنوع فرعي من الأفلام التي تعنى بقضية الزمن.

وفي هذا الفيلم للمخرجة الفرنسية كورالي فارغيت تبدو المقاربة مختلفة فيما يتعلق بالزمن من منطلق أن التحدي يتعلق بتقدم السن الذي تبدو آثاره على نجمة الايروبيك والاستعراضات المشهورة اليزابيث سباركل، تقوم بالدور الممثلة المعروفة ديمي مور، فهي في ذروة شهرتها تشعر أن تلك الماكنة الإعلامية الرأسمالية الضخمة تبحث عن جيل جديد يكون بديلا عنها، جيل يدرك طبيعة الزمن المعاش وإيقاعه، وفي وسط تلك التساؤلات تنقلنا المخرجة إلى إشكالية جديدة تتعلق بقهر الزمن من خلال الاستنساخ.

ها هي اليزابيث تتلقى عرضا لتغيير حالها وتجديد شبابها وهكذا تتابع الخطوات التي يرشدها إليها شخص مجهول يترك صناديق صغيرة فيها إرشادات وحقن طبية، وها هي وحيدة تنقل نفسها إلى عالم مجهول فبمجرد حقن نفسها بحقنة تجديد الحياة تكون قد انتقلت إلى عالم آخر وهنا سوف ننتقل إلى مساحة خيالية وفانتيازيا مفضية إلى الرعب والخيال العلمي، إذ ينشق ظهرها ليخرج الكائن البديل أو نسخة منها وإذا النسختان تتجاوران وهما ممددتان في فضاء من السيراميك الأبيض فيما يشبه غرفة حمام واسعة تضم الشخصيتين الأسيرتين بين يدي المجهول وهن لا يعرفن عن مصيرهن.

هذه التحولات الجذرية في حياة الشخصية يقابلها نسيج بصري غزير أصبحت فيه كثير من المشاهد ذات عمق لوني وشكلي ملفت للنظر وهو ما برع في تقديمه مدير التصوير بنجامين كراكون بالإضافة إلى الإدارة الفنية المتقنة والتي أسهمت في تقديم خطاب بصري نقلنا إلى نوع من الفانتازيا والغرائبية التي سيطرت على الشخصيتين.

تقابل ذلك هالة من السخرية من أولئك الذين يتحكمون بصناعة النجوم وكيف أطلقوا اليزابيث وكيف تناسوها وكيف تبنوا "سو" – الشخصية المستنسخة التي تتدفق شبابا، وهم ثلة من حملة الأسهم والأثرياء الذين كل همهم تحقيق الأرباح بالاستثمار في النجوم ونشر ملصقات ضخمة لإطلالتها.

إنه حقا مزيج تعبيري مدهش زاد من جماليته الاستخدام الملفت للمونتاج والانتقالات المكانية والزمانية الحادة إذ ليس بالضرورة أن تراعي المخرجة السلاسة البصرية في المشاهدة بل كانت هنالك انتقالات مفاجئة وقطع حاد في الانتقال ببين الأزمنة أو في لقاء الشخصيتين أو حاجة كل منهما إلى الأخرى في إطار أخذ الأدوية والحقن المشتركة وما يسري في عروقهما بشكل مشترك.

وفي هذا الصدد تتحدث الناقدة مونيكا كاستيلو من موقع روبرت ايبرت،

قائلة إنه "كما حدث مع فيلمها الأول "الانتقام"، تقدم المخرجة فارغيت عملا إبداعيا محكمًا يركز على عدد قليل جدًا من الشخصيات ومن خلال تعاون ملفت مع فريق عمل متميز وخاصة من يقف خلف الكاميرا أي مدير التصوير السينمائي بنيامين كراكون، الذي قدم عالما بصريا من الألوان الوردي والأزرق الصارخ حتى أنه حول بعض المشاهد إلى لوحات لونية جريئة ومشرقة استكملتها الأزياء من تصميم إيمانويل يوتشنوفسكي، التي تدمج المزيد من الألوان والمواد الجذابة لتشكيل جانب من جوانب كل شخصية على حدة".

ولعل ما يمكن التوقف عنده بصدد الأداء المتميز للممثلة الكبيرة ديمي مور تلك المرأة التي تكافح كراهية الذات، ومعاملة المجتمع لها، ومحاولة قهرهم جميعا وتخطي عنصر الزمن وعامل السن من خلال استخدام ذلك العقار السحري.

يقول الناقد اليكس لافينسون في موقع ريفيو، "إنه فيلم يتدفق بالألوان، مميز، ساخر، استفزازي، دموي ومثير للاشمئزاز في بعض الأحيان وهي كلها كلمات يمكن استخدامها لوصف هذا الفيلم الذي فيه الرعب الجسدي الغريب الذي يقوم على تصوير تدمير المرأة لنفسها تحت الضغط الذكوري، ويجري ذلك بطرق درامية ساخرة إذ لا يستغرق الأمر وقتًا طويلا حتى تظهر تجربة سباركل مع المادة كرعب جسدي كامل، مليء بكمية وفيرة من الدماء، والعنف المواجه وإساءة معاملة الذات".

بالطبع في قسم آخر من الفيلم تعمد المخرجة إلى إيجاد خط سردي يغادر منطقة الفانتازيا والغرائبية إلى الصدمة البصرية مما لا ينصح به لذوي القلوب الضعيفة من قبيل شق قسم كبير من الجسد وعمليات الخياطة ثم بدء المسخ الذي سوف يضرب اليزابيث ويحولها إلى كائن غريب وهما صورتان صادمتان ما بين اليزابيث النجمة الجميلة المتدفقة حياة وحيوية إلى تلك العجوز المتهالكة التي تشوه جسدها ومع ذلك ها هي تلبس المعطف الأصفر نفسه والنظارة الشمسية السوداء لتخرج من جديد.

هذا التحول تمعن فيه المخرجة تفصيلا وغرائبية ولا معقولا عندما تقع تشوهات خطيرة في الجسد وخاصة عندما تتحول اليزابيث إلى كومة من اللحم التي لا تنتظم في شكل كائن بشري وهو ما سوف تظهر عليه في الحفل الختامي وحيث ينتظرها صانعو النجوم بفارغ الصبر بالإضافة إلى جمهور ضخم اكتظت به الصالة ولكن ها هي اليزابيث تقلب العرض رأسا على عقب وتتحول المشاهد على الخشبة وأمام الجمهور العريض إلى سريالية ووحشية مسرفة وهو ما يعيدنا إلى ذلك النوع من الأفلام التعبيرية الصادمة من مدرسة بازوليني وسكوليموفيسكي وغيرهما.

هذا القسم الأخير من الفيلم أزاح تلك الجماليات التي تحدثنا عنها فيما سبق، وصرنا أمام مظاهر صادمة وتوقف النمو السردي والتعبيري بالتزامن مع قرار اليزابيث التوقف نهائيا عن المضي في أخذ الجرعات السحرية التي تشبه تأثير الخلايا الجذعية التي تسرع النمو وهي سعادة ترتبط بتوقف الشيخوخة وتعطل الإحساس بتقدم السن في مقابل دور سو الشابة المكملة والنصف الثاني لاليزابيث وها هما تعصفان بحياة بعضهما.

• حاز على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان السينمائي الدولي - 2024

• ( لا ينصح بالمشاهدة العائلية ولا ذوي القلوب الضعيفة).

..

إخراج/ كورالي فارغيت

تمثيل/ ديمي مور – اليزابيث سباركل، مارغريت كوالي – سو، دينيس كويد - هارفي

مدير التصوير/ بنجامين كراكون

موسيقى/ رافيرتي

تقييمات/ آي ام دي بي 8 من 10، روتين توماتو 90%، ليتربوكس 4 من 5،

أخبار ذات صلة

0 تعليق