الجريمة والاحتفال! - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صديقان يقتلان صديقًا لهما خنقًا بواسطة حبل، أحدهما يرتبكُ وينهار وآخر يُحوّل حدث القتل إلى احتفال يدعو إليه عائلة المقتول وأصدقاءه، وكأنّ نشوة القتل أوقدت فـي روحه حماسًا مفقودًا، فلم يكن لفعل القتل هدفًا أكثر من استشعار الخطر المُحدق بالتجربة والشعور المريض بالتفوق!

قد لا تبدو قضية القتل مهمة فـي فـيلم «الحبل» Rope للمخرج الفريد هتشكوك عام 1948، ولكن ذلك التوهج الذي اعترى أحد القاتلين واصفًا الأمر وكأنّه يُقدم عملًا فنيًا هو ما يجعلنا نُعيد تأمل القصّة من جديد، لربطها بواقع شديد الاضطراب والسُميّة، يغدو فـيه فعل القتل -دون مغزى- عنوانًا لهذا العصر الكئيب!.

تلك المتعة العارمة وذلك الشعور المجاني بالفخر على فعل بالغ الدناءة والانحدار الأخلاقي نابع من اعتقاد ساذج بأنّ: من حق المتفوق والأكثر ذكاءً أن يتحكم بمصير الآخرين!.

أراد القاتل شديد الصلف أن يُضاعف الشر، بوضع الطعام على صندوق الجثة بدلا من طاولة الطعام، فالخفقان المرعب الذي مرّ به هو وصديقه جراء الأحاديث التي تنشد مجيء الصديق الغائب (الجثة) حرّضت مشاعر لوم فـي أحدهما ومشاعر لؤم فـي الآخر. بدا أنّ التلاعب بالكلمات تُشعر القاتل بشيء من التفوق والتعالي، بل إنّه لم يتوانَ عن إهداء والد الضحية كُتبًا مربوطة بحبل الجريمة!.

لكن الغريب أن تدور أحاديث الحفلة على صندوق الجثة حول الموت، لا سيما تلك المقارنة بين القتل العظيم وذاك الذي يفتقد للخيال والإبداع عندما تُنزع منه سمته الفاتنة! تُنسج الأحاديث عن خصلة القتل باعتبارها خصلة إنسانية وإن رفضها البعض!، «فالقتل جريمة لمعظم الناس ولكنه هبة للبعض الآخر»!

عندما طُرح السؤال: من الذي يحق له أن يلعب دور القاتل؟ كانت الإجابة المخيفة والمحملة بالازدراء: من يتمتعون بالمكانة الاجتماعية والعبقرية ولا يعبأون بالمفاهيم الأخلاقية التقليدية. أمّا السؤال الثاني: من الذي ينبغي أن يلعب دور المقتول؟ فكانت إجابته: الذين لا يملكون الكفاءة الكافـية!.

«لم يكن سوى نكرة، ولذلك فإنّ التخلص منه من قِبل الأكثر ذكاء هو واجب»، هكذا يُسوغ القتل لأجل المتعة، والإمعان فـي احتقار الروح التي يظن أنّها من مرتبة أدنى، فالقتل -من وجهة نظر القاتل- فنٌ ينبغي أن يُصان حق الإقدام عليه، ويجب أن يُصيب الحيوات الأقل أهمية، كما ينبغي ألا تقترفه سوى الأيدي العليا، فالأيدي العليا فوق الأيدي السفلى دومًا، فالمكانة هي من تحدد موقع كل من: الجلاد والضحية؟

قرأتُ بأن الفـيلم مأخوذ عن قصة حقيقية، أحدثت جدلًا واسعًا فـي أمريكا عام 1924، انطلاقًا من جريمة وقعت بسبب حادثة «النخبة التي تُقرر مصير العامّة».

تتناسلُ أحداث الفـيلم فـي مكان ضيق، فنشاهد لقطة واحدة ممتدة دون توقف، نرى بواسطتها انفعالات الشخصيات وعبثها، باب الشقة الذي يفتح ويغلق، الضيوف الذين يأتون ويرحلون. نتحول إلى مشاهدين لنلعب دور الجثة المحشورة فـي ذلك الصندوق وفـي تلك الظلمة؛ لنستمع لتلك المحاكمة المجحفة.

لكن.. هل هنالك جريمة مثالية ترقى لأن تصير فنا يتجاوز حدود المخيلة، جريمة مكتملة تدفع الإنسان لشعوره المريض بالاعتداد والتفوق، تماما كتلك التي تحدث فـي حياتنا الآن؟ بكل هذا الصلف السافر، حيث تُطوع الأفكار والأيديولوجيات المتعلقة بالتفوق والرسوخ لمنح الحياة أو سلبها، دون احتكام لتعقل أو احترام لمنجز البشرية من التحضر.. التحضر الذي بات يكشف لنا مخالب زيفه كل لحظة!

أخبار ذات صلة

0 تعليق