نحتاج إلى التفكير بشكل مختلف حول الذكاء الاصطناعي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

ما الذي يميز البشر عن باقي الكائنات الحية، أو تلك الكائنات الخاملة؟ هذا السؤال سيدفع الكثيرين للقول: إن ما يميزنا هو ذكاؤنا، ولكن اليوم، مع وجود الآلات الذكية، قد تواجه تلك الإجابة التي يفكر بها البعض الكثير من التحديات. وهذا ما ظهر كردِّ من الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، مثل «شات جي بي تي»، بأن تلك الآلات الذكية حققت مستويات من الذكاء تعادل الذكاء البشري حينما وُجِّهَ لها عدد من المهام. فهل هذا الذكاء، الذي يميزنا عن بقية الكائنات، يمكن أن يتطور لدى آليات الذكاء الاصطناعي إلى درجة منافستنا نحن البشر؟ وهل سنصبح ذات يوم أقل ذكاءً منها؟ أحد العلماء لا يعتقد بأن الإجابة نعم، وهو «نيل لورانس»، أستاذ التعليم الآلي في جامعة كامبريدج، لأنه في الواقع يرى أنه يجب أن نتخلص من مفهوم الذكاء الاصطناعي بشكل مطلق. وفي كتابه الجديد «الإنسان الذري.. فهم ذاتنا في زمن الذكاء الاصطناعي»، يرى «لورانس» أننا من خلال فهم ذواتنا وقدرتنا الذكائية، ومعرفة مدى الاختلاف بيننا وبين الذكاء الاصطناعي، يمكننا تحقيق استفادة كبيرة من كليهما. وقد طرحت مجلة «العالم الجديد» عليه تساؤلات منها: «لماذا يعتقد الكثيرون أن الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي شيئان غير مفهومين؟» و«لماذا ليست هناك جدوى من المقارنة بين الذكاءين؟». وهذا يدفعنا بالتالي إلى الحاجة لفهم الذكاء بدقة أكبر.

في حواري مع «لورانس» طرحت عليه بداية سؤالا حول رأيه في الاتجاه الذي يقارن بين الذكاء الاصطناعي والبشري، فأجابني:

«معظم تلك الفرضيات لا معنى لها، فالموضوع غير متصل. بوضوح شديد، يبدو أن طبيعة الذكاء الاصطناعي تختلف عن طبيعة ذكائنا البشري، وأرى أن الأمر سخيف أن يتحدث الناس عن الذكاء الاصطناعي كما لو كان له علاقة بنا. لكن البعض يرون في الذكاء الاصطناعي بشرا، ويريدون جعله كذلك، ويعتقدون أن هذه الطريقة هي التي ستوصلنا لفهم الذكاء الاصطناعي والتواصل معه».

وتابع: «هذا الأمر مثير للاهتمام، ويذكرني بعادة كانت الصحف تتبعها كل صيف، حيث تنشر كلمات تعبر عن الجمال، وتتكون من مجموعة سخيفة من الأرقام في سبيل تحليل الجمال. واليوم تشترك فكرة إخضاع (الذكاء) للتصنيف والقياس بنفس السخافة. وكما أننا لا يمكننا الحديث عن الجمال الاصطناعي، كذلك لا يجب أن نتحدث عن الذكاء العام الاصطناعي، وفي الوقت ذاته، هناك جوانب يمكننا الحديث عنها. مثلا، يمكنني الحديث عن الذكاء في تنفيذ قرار معين لأنني أعرف سياق هذا القرار وانعكاساته الإيجابية، ولكن في حالة غياب السياق ومحاولة تبريري بأن القرار صائب لأنني ملزم بتنفيذه، سأبدو سخيفًا. وبالطريقة نفسها، من السخافة أن نحاول تصنيف الذكاء الاصطناعي، إن مسألة الذكاء بشكل عام حيرت العلماء لفترة طويلة. فكيف يمكن تعريف الذكاء؟ هل يُقارن ذلك بتعريف المرض؟ في كتاب لي، استخدمت مصطلح (الذكاء) بشكل كبير، ثم فيما بعد، ابتعدت عن تكرار الكلمة واتجهت لمعالجة المعلومات كفكرة، وهذا يقودني إلى أمر أنه يجب علينا البدء في النظر إلى مسألة الذكاء بشكل صارم، مستندين إلى المعلومات، لأن الأساس هو في المعلومات، الأنظمة الكبيرة تقوم على أساس معالجة المعلومات، وهذا الدور تقوم به البيئة المحيطة بنا، وثقافتنا تفعل الشيء نفسه كذلك. إننا ذكاء موزع، ومن الممكن القول: إن مصدر ذكائنا موجود في ثقافتنا الشخصية، وفي مجموعة الأفراد».

وفي التالي استأنفت حواري مع «نيل لورانس»، وأسهب في الإجابات ليوضح الكثير:

**************************************************************************************************

هل لديك مثال عن هذا النوع من الذكاء الموزع؟

الحشرات الاجتماعية تمثل شكلا من أشكال الذكاء الموزع، حيث أنا الآن، في جنوب إيطاليا، هناك الكثير من النمل بسبب الجفاف الشديد، يبدو أن هذا النوع من النمل مميز في تكوينه لأعشاش متعددة، نرى طوابير من النمل تتحرك بانتظام من وإلى المنزل، متنقلة بين الأعشاش، إنه أمر مذهل مشاهدتها وهي تنقل البيوض والغذاء، بمجرد أن نعتقد أننا تخلصنا من أحد الأعشاش، يظهر طابور آخر في اليوم التالي متبعًا المسار القديم نفسه، عائدًا إلى المنزل مجددًا.

شخصيًا أجد نفسي متشككًا حيال ما يقوله الناس عن الذكاء الاصطناعي العام، فكما تقول والدتي عن النمل «واو، إنهم أذكياء حقًا»، بالطبع هم كذلك كمجموعات، ولكن حين الحديث عن كل نملة بحد ذاتها فهي ليست ذكية حقًا؛ فهي لا تمتلك أنظمة تخطيط تنظر بعيدًا إلى المستقبل وتتخذ قرارات إستراتيجية حول كيفية سير الأمور، وهي إحدى خصائص الذكاء البشري، ولكن النمل يتخذ قرارات حول المكان الذي يجب أن يذهبوا إليه للحصول على الموارد، وهذه القرارات تتم بطريقة موزعة من خلال تواصل النمل فيما بينهم عندما يجدون كومة من السكر مثلًا أو من خلال تركهم آثار روائح، أي تعريف منطقي للذكاء يحتاج إلى أن يشمل مكونات من معالجة المعلومات.

**************************************************************************************************

بالتأكيد، ينطبق مبدأ مشابه على البشر، ماذا يخبرنا مثالك حول النمل عن طبيعة الذكاء بشكل أوسع؟

النمل نظام لمعالجة المعلومات، ولكن عندما تراهم، تبدأ في إدراك أن النظام البيئي بأكمله من حولنا يعمل بالطريقة نفسها، يتم تخزين المعلومات في الحمض النووي الـ«دي إن أيه»، وتستجيب النباتات والحيوانات والبكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى للظروف المتغيرة وتتخذ قرارات تؤثر على أجيال متعددة، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي الذي أنشأناه يشبه أكثر معالجة النمل للمعلومات مقارنة بمعالجة البشر، ولكننا نضفي الطابع الإنساني على النمل بنفس الطريقة التي نضفي بها الطابع الإنساني على الذكاء الاصطناعي.

تعد هذه الأنظمة صعبة على البشر لفهمها كأنظمة ذكية؛ لأنها لا تظهر بنفس الطريقة التي يظهر بها ذكاؤنا، ذكاؤنا هو ذكاء موزع، ولكنه موزع بطريقة غريبة حيث إن قدرة التواصل لدينا كبشر ضيقة للغاية مقارنة بقدراتنا الحسابية الهائلة.

هذه الفجوة تمنحنا إحساسًا بأنفسنا كأفراد في مجتمع، ككيانات فردية. وعندما نتواصل مع الآخرين، نفكر فيهم أيضًا كأفراد وكيانات. أعتقد أن هذا يجعل من الصعب علينا أحيانًا رؤية الطبيعة الموزعة لذكائنا. كما يجعل من الصعب علينا التعرف على الذكاءات الموزعة من حولنا، وأيضًا صعوبة إدراك الذكاءات التي تعمل كأنظمة معالجة معلومات على أطر زمنية تمتد لوقت أطول بكثير مما نعمل نحن عليه، مثل ملايين السنين.

**************************************************************************************************

هل لديك مثال على هذا النوع من الذكاء؟

الحياة على الأرض هي نظام معلوماتي يعمل على مدى ملايين السنين من الحياة، يستجيب لتغيرات الطارئة على النظام الكوني وغيره من الأحداث التي تحدث على مقياس زمني جيولوجي، على سبيل المثال، بدأت النباتات المزهرة تهيمن على الأنواع الأخرى قبل حوالي 100 مليون سنة، بعد حوالي 100 مليون سنة من بدء تفكك آخر قارة عظمى «بانجيا»، ربما بعد 100 مليون سنة أخرى، ستواجه هذه النباتات تحديات للبقاء على قيد الحياة مع تكوين قارة عظمى جديدة على الأرض.

هذه أطر زمنية يصعب تخيلها؛ لأن المعلومات تنتقل إلى ذريتنا من خلال «جينومنا» بمعدل أبطأ بمئات الملايين من المرات مقارنة بمحادثة بين شخصين، وبالمثل، نجد أن معالجة المعلومات بواسطة الحواسيب أمر يصعب علينا استيعابه؛ لأنها تشارك المعلومات بمعدل أسرع بمئات الملايين من المرات مما نستطيع نحن البشر.

**************************************************************************************************

إذن، ما الذي يجب أن نفهمه من أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل «شات جي بي تي»، والتي تبدو مذهلة للوهلة الأولى؟

أكرر أنني متشكك حيال ما يقوله الناس عن الذكاء الاصطناعي العام، أعتقد أن من الخطر التحدث عن الأمور بهذه المصطلحات؛ لأننا لا نملك تعريفًا دقيقًا للذكاء إلى الآن، ولكن على الرغم من هذا الشك، فإن التكنولوجيا التي نمتلكها الآن، حتى لو أوقفنا جميع التطورات اليوم، ستظل تحولية بشكل كبير؛ لأنها تمثل ثورة في المعلومات.

الناس يقولون: «أوه، سوف تمتلك الذكاء بمراتب أكبر». للمقارنة، عندما أنتقل من المشي إلى قيادة السيارة، فهذا يمنحني زيادة في السرعة بحوالي مرتبة واحدة، ومن السيارة إلى الطائرة، تمنحني زيادة أخرى بمقدار مرتبة، هذا يعني زيادة بمقدار 100 ضعف، لكن التحول الكبير هو في معدل الوصول إلى المعلومات بواسطة الذكاء الاصطناعي – معدل تبادل المعلومات بين الآلات – والذي يتجاوز قدرة التواصل بين البشر بـ300 مليون مرة.

هذا هو التحول الكبير، إنه ليس له علاقة بفكرة الذكاء الاصطناعي العام، والتي أراها فكرة غير منطقية.

**************************************************************************************************

يبدو أن هذا التحول لديه سوف يتسبب بإزعاج الكثير من رواد المجال مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت. كيف تعتقد أن هذا سيتطور؟

للمرة الأولى، لدينا تكنولوجيا –ليست مثالية بأي حال وتحتاج إلى الكثير من العمل– يمكن للبشر العاديين من خلالها التحدث مع الحاسوب وإعطاؤه تعليمات مباشرة. لذلك، يمكن للشخص العادي، دون الحاجة لتعلم لغات البرمجة، أن يسأل الحاسوب عن المعلومات التي يمكنه الوصول إليها.

هذا مثير بشكل لا يصدق وخطير في الوقت ذاته؛ لأن الحاسوب لديه القدرة على تقديم معلومات غير دقيقة وربما لاحظ البعض ذلك عند سؤاله عن معلومات يعرفها من باب الاختبار، سواء كان ذلك عن قصد أو بسبب طبيعة النماذج التي تم بناء الذكاء الاصطناعي عليها، أي المعلومات، ولكن لديه أيضًا القدرة على منح الأفراد وصولًا إلى متعاون غير بشري، وهو آلة لديها إمكانية الوصول إلى هذا الكم الهائل من المعلومات، هذا التحول سيمنح الأفراد القدرة على الوصول إلى هذه المعلومات أسرع بـ 300 مليون مرة، بدلاً من الاعتماد على عالم يتم تنسيقه بواسطة جوجل أو مايكروسوفت أو أمازون أو فيسبوك.

كل شركات التكنولوجيا الكبرى هي التي تركز الأضواء على مصادر المعلومات، ما يثير الاهتمام هو أن التكنولوجيا الكبرى اليوم لديها الحوافز للاستمرار في الهيمنة على بنية المعلومات الأساسية، لكن الآن، عليهم التأكد من أنهم لن يتم تجاوزهم بقدرة الأفراد على الوصول مباشرة إلى الآلة.

**************************************************************************************************

ما الجوانب التي تفتقدها الآلات في الذكاء؟

في اعتقادي أن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو افتقار الآلات إلى المهارات الحركية، إنه لأمر مذهل أننا تمكنا من جعل الحواسيب تحاكي كل الأشياء التي يعتبرها العلماء مفيدة ومهمة، مثل حل المسائل الرياضية أو لعب الشطرنج أو لعبة الـ«جو».

لكن عندما يتعلق الأمر بالأشياء التي يستمتع بها الناس العاديون – مثل لعب كرة القدم، أو تبادل الأحاديث الشيقة، أو تقديم الدعم لصديق في حاجة – نجد أن كل هذه الأمور جزء من ذكائنا نحن البشر. وربما هذه الجوانب من الذكاء لم يقدرها العلماء كثيرًا، وربما يعود ذلك إلى أنهم، كفئة، قد لا يكونون الأكثر ارتباطًا اجتماعيًا بين البشر.

كل هذه الأمور صعبة للغاية لمحاكاتها، لكن المهارات الحركية تحديدًا تمثل تحديًا هائلًا. ليس من المستحيل أننا قد نصل إلى تلك النقطة، لكن يبدو أننا لن نصل إليها قريبًا.

**************************************************************************************************

إذن، أين يتركنا كل هذا فيما يتعلق بكيفية فهمنا لذكائنا؟

هناك صورة شهيرة لكوكب الأرض التقطها رواد الفضاء في مركبة أبولو 17 عام 1972. أصبحت هذه الصورة، المعروفة بـ «الرخام الأزرق»، رمزًا للحركة البيئية؛ لأن الأرض تبدو مكانًا ضخمًا ورائعًا عندما تكون عليها، ولكن عندما تنظر إليها من الخارج، تدرك أنها شيء خاص ومعقد ومذهل يحتاج إلى العناية والتركيز.

أود أن يحدث الشيء نفسه عندما نقف على هذا الذكاء الآخر، سيظل وسيكون دائمًا لديه قدرات تفوق أي شيء يمكن للبشر القيام به، هذا لا يعني أنه سيحل محلنا، ولكن يعني أنه مكان مثير للتأمل في أنفسنا – ما الذي نريده حقًا – ومحاولة الارتقاء بتفكيرنا كجنس بشري.

**************************************************************************************************

وهل سيصل الذكاء الاصطناعي يومًا ما إلى مستويات الذكاء البشري؟

حسنًا، هذه القدرات، من بعض النواحي، تعتمد بشكل أساسي على محدودياتنا، قدرتنا على رؤية الأشياء واتخاذ القرارات، تعتمد على نقاط ضعفنا وحدودنا، ولن نتمكن أبدًا من محاكاتها في الآلات؛ لأن الآلات لا تمتلك تلك الحدود ولا يمكنها امتلاكها.

حقيقةُ أننا سنموت، وحقيقةُ أن أولئك القريبين منا يمكن أن يموتوا، أو أننا يمكن أن نتعرض للخيانة من قبل البشر الآخرين، أو نفقد سمعتنا – هذه الأشياء هي التي لا يستطيع الحاسوب أن يجربها، وهي ما يجعلنا مميزين، إنها ما يجعل الذكاء البشري فريدًا حقًا.

أخبار ذات صلة

0 تعليق