حقق الرئيس الأمريكي السابق ما اعتبره البعض مفاجأة حينما فاز بفارق كبير على منافسته الديمقراطية هاريس فـي الانتخابات الرئاسية ما يعني عودته بقوة إلى البيت الأبيض والمشهد السياسي العالمي. وطرحت عودة ترامب الكثير من الأسئلة خاصة وأن حزبه حقق أغلبية فـي مجلسي النواب والشيوخ. ويرى الكثير من المحللين أن إعادة انتخاب ترامب قد تشير إلى تغيرات كبيرة فـي السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة فـيما يتعلق بمنطقة «الشرق الأوسط»: الحرب على غزة ولبنان والملف النووي الإيراني وكذلك الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا.
ورغم أن كل الإدارات الأمريكية ملتزمة، علنا، بأمن واستقرار إسرائيل إلا موقف ترامب على الدوام كان مؤيدا بشكل قوي جدا لكل توجهات إسرائيل، ويمكن هنا استذكار الاعتراف المثير للجدل بالقدس عاصمة لإسرائيل والتوسط فـي اتفاقيات إبراهيم، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية. ومن المتوقع أن تعود هذه السياسات مرة أخرى إلى الواجهة وبقوة، كما أن عودة ترامب من شأنها أن تشجع على أنشطة الاستيطان الإسرائيلية فـي الضفة الغربية، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات مع الفلسطينيين وكل ذلك على حساب أي حديث محتمل عن السلام.
ولا يبدو أن ترامب يمكن أن يضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من أجل وقف المجازر فـي قطاع غزة أو حتى فـي لبنان.
أما فـيما يخص إيران فإنها ستبقى محورية فـي أجندة السياسة الخارجية لإدارة ترامب المقبلة. كان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات صارمة يهدف إلى الحد من نفوذ طهران الإقليمي، على حد رؤية ترامب، لكن التوقعات تشير إلى أن فترة ترامب الجديدة قد تشهد تصعيدا على الجبهة مع إيران خاصة وأن التوترات وصلت إلى حد المواجهة المحدودة بين إيران وبين إسرائيل، وهذه المواجهة/ التصعيد لو حدثت كما يتوقع البعض فإنها قد تؤدي إلى تأثيرات قوية على قطاع الطاقة وعلى الملاحة فـي منطقة الخليج العربي وهذا ما لا يريده ترامب قطعا، ولا يريده حلفاؤه فـي الاتحاد الأوروبي الذين يسعون إلى نهج أكثر دبلوماسية خاصة بعد التوترات الكبيرة التي حصلت مع روسيا نتيجة الحرب مع أوكرانيا.
والصراع الروسي الأوكراني، عموما، يمثل تحديا كبيرا ومعقدا بالنسبة لأمريكا.. وأظهرت فترة ولاية ترامب السابقة مزيجا من خطابات متباينة بين المواجهة والبحث عن مسارات انفراج. ومن المتوقع بناء على خطابات ترامب الانتخابية أن تشهد فترته الجديدة تأرجحا بين العقوبات الصارمة على روسيا وبين المبادرات الدبلوماسية غير المتوقعة، الأمر الذي يعقد كل التوقعات بمسار ترامب تجاه هذا الملف بالتحديد، وهذا الأمر يعقد التخطيط الاستراتيجي لحلف شمال الأطلسي، وفـي الوقت نفسه، قد يشجع طموحات روسيا فـي أوروبا الشرقية.
ومن المرجع أن تعيد أيديولوجية ترامب «أمريكا أولا» تشكيل التحالفات والشراكات الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، وإضعاف بعض التحالفات التقليدية مثل حلف شمال الأطلسي ومع شركاء فـي الشرق الأوسط وهذا النهج من شأنه أن يؤدي إعادة تنظيم هياكل القوة العالمية، مع قيام بعض القوى الناشئة لاستغلال هذه التحولات لصالحها.
وفـي المجمل فإن عودة ترامب تعني أكثر من مجرد عودة سياسية فالكثير من دول العالم عليها، أيضا، أن تعيد ترتيب أجنداتها ومسارات عملها السياسية والاقتصادية ومراقبة التحولات الجديدة التي ستحدثها هذه العودة خاصة وأن أجندة ترامب ستؤثر على الكثير من دول العالم لأربع سنوات قادمة.
0 تعليق