إسرائيل تواصل مهاجمة الصحفيين - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

«مطارَد»!!

هكذا وصف حسام شبات أخيرا حياته باعتباره صحفيا في شمال غزة.

قبل أيام قليلة، اتهمه الجيش الإسرائيلي وخمسة صحفيين آخرين من الجزيرة بأنهم مقاتلون في حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين. هذه الاتهامات، التي وصفتها الشبكة بأنها «لا تقوم على أي أساس» وأنكرها شبات والآخرون، تستهدف هؤلاء الصحفيين فعليا وتأتي وسط هجوم إسرائيلي مروع وقع أخيرا في شمال غزة. وكانت هذه المجموعة الصغيرة من الصحفيين قد قدمت الشهر الماضي توثيقا مهما لما قاله رئيس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن «جرائم محتملة ضد الإنسانية».

لقي ما لا يقل عن 129 صحفيًا وعاملًا فلسطينيًا في مجال الإعلام مصرعهم منذ بدء الحرب في غزة العام الماضي، وفقا للجنة حماية الصحفيين، ويرفع مكتب الإعلام في غزة هذا الرقم بشكل كبير ليصل إلى 188. ولقد كان هذا العام هو الأكثر دموية للصحفيين منذ بدأت لجنة حماية الصحفيين تسجيل الأرقام في عام 1992. وقالت المجموعة: إن الأسابيع العشرة الأولى من الحرب شهدت قتل عدد من الصحفيين يفوق عدد القتلى منهم في أي بلد على مدار عام كامل. وحددت لجنة حماية الصحفيين خمسة صحفيين لقوا مصرعهم، ومنهم صحفي في لبنان، نتيجة «استهداف مباشر» من القوات الإسرائيلية، وتحقق المنظمة في حالات أكثر من عشرين آخرين. (وقد نفى الجيش الإسرائيلي مرارا استهدافه للصحفيين).

لم يلق هذا العدد القياسي من الصحفيين القتلى استجابة تذكر من أهم حليف لإسرائيل، أي الولايات المتحدة. وذلك في الوقت الذي تمتلك فيه إدارة بايدن أدوات قوية للمساعدة في متابعة المساءلة عن عمليات القتل هذه. كما أن بوسعها ضمان استقلالية التحقيقات، وتطبيق قانون ليهي الذي يحظر على الولايات المتحدة مساعدة الوحدات العسكرية الأجنبية المشتبه في ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان، أو حتى فرض عقوبات، مثلما فعلت لأسباب أهون كثيرا قبل بضعة أشهر فقط ردا على قانون جورجي يمكن أن يحد من حريات الصحافة.

إن قدرة العالم على معرفة ما يحدث في غزة معرضة للخطر في ظل عقود مما وصفته جماعات حقوق الإنسان بأنه نمط لإفلات إسرائيل من العقاب على قتل الصحفيين، بجانب اتهامات إسرائيل لهم بأنهم مقاتلون. فضلا عن أن استجابة واشنطن الهزيلة تؤكد للجيش الإسرائيلي أنه لن تكون هناك من عواقب.

قبل أسبوعين من اتهام السلطات الإسرائيلية للصحفيين الستة بالارتباط بجماعات مسلحة في غزة، نجا شبات وصحفي آخر، يدعى أنس الشريف، مما قالا إنه هجوم مروع شنته القوات الإسرائيلية. وقال الشريف: إن أحد زملائهم، وهو مصور يدعى فادي الوحيدي، قد أصيب برصاصة في العنق في أثناء محاولة المجموعة الفرار من طائرة رباعية المراوح طاردتهم ثم أطلقت النار عليهم. وبعد إطلاق النار على الوحيدي، بدأ زملاؤه التصوير. ويظهر الوحيدي في اللقطات منكفئا على وجهه على الرصيف. وكانت السترة الصحفية الزرقاء الداكنة التي يرتديها واضحة على قميصه الأبيض، وازدادت وضوحا بضآلة الحماية التي وفرتها له.

تمثل صورة الوحيدي وهو طريح الأرض بينما يناديه زملاؤه صدى مؤلما لإطلاق النار على مراسلة الجزيرة شيرين أبوعاقلة، التي لقيت مصرعها في الضفة الغربية المحتلة في مايو 2022. في فيديو ذلك الهجوم، ظهرت شيرين أيضا منكفئة على وجهها في الشارع، بلا حراك، وكلمة «صحافة» على سترتها الواقية من الرصاص كبيرة وواضحة. وقد تبين للعديد من التحقيقات أن شيرين ومن كانت معهم من الصحفيين كانوا على الأرجح مستهدفين. وبعد بضعة أشهر من مصرعها، قال الجيش الإسرائيلي: إن هناك «احتمالا كبيرا» بأن يكون جندي إسرائيلي قد أطلق عليها النار لكنها لم تكن مستهدفة ولن يتم توجيه اتهام لأي جندي.

في عام 2022، قمت أنا وزملائي بالتحقيق في مقتلها لصالح قناة الجزيرة الإنجليزية التي سبق أن عملت فيها منتجا للأفلام الوثائقية. أجرينا مقابلة مع شقيقها أنطون في منزله في القدس الشرقية، حيث ظهر محاطا بصورها فهي شقيقته الوحيدة. لم يحك لنا أنطون فقط عن أخته وأهمية الصحافة بالنسبة لها، بل حكى أيضا عن سعي أسرته شبه المستحيل إلى تحقيق العدالة. وقال لنا: «إذا لم تتم محاسبة أحد، فسوف يستمر الأمر إلى ما لا نهاية». لا تزال عائلتها تنتظر. ورغم أن شيرين أبو عاقلة كانت مواطنة أمريكية، أصدرت إدارة بايدن ملخصا سريعا لمقتلها بناء على تقارير من الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تحليل غير حاسم لإطلاق النار. ومنذ عامين، كانت هناك تقارير عن فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقا مستقلا عن البيت الأبيض، لكنه لم يصدر بعد أي نتائج ملموسة.

في العقدين السابقين على وفاة شيرين أبو عاقلة، وجدت لجنة حماية الصحفيين أن ما لا يقل عن تسعة عشر صحفيا آخرين قد تعرضوا للقتل على يد القوات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. ولم يتم توجيه اتهام إلى أي شخص في أي من تلك الهجمات أيضا. وتبين لتقرير صادر عن لجنة حماية الصحفيين في مايو 2023 وجود نمط للرد الإسرائيلي «يبدو أنه مصمم للتهرب من المسؤولية» وقال التقرير: إن السلطات الإسرائيلية دأبت على اتهام الصحفيين بأنهم إرهابيون دون تقديم أدلة موثوقة على ذلك. وقد اعترفت قوات إسرائيلية بقتل صحفيين فلسطينيين، سواء أكان ذلك في أثناء الحرب الحالية أو قبلها. وقالت في بعض الحالات إن صحفيين وقعوا في مرمى النيران المتبادلة، وفي حالات أخرى بررت القتل بزعم أن الصحفيين كانوا مقاتلين أو كانوا على صلة بجماعات مسلحة، وأصدرت وثائق قالت إنها عثرت عليها باعتبارها أدلة، وتبين لمنظمات مراقبة وجماعات حقوقية بعد النظر في بعض هذه المزاعم أنها غير مثبتة أو ذات مصداقية.

لقي مراسل الجزيرة إسماعيل الغول مصرعه في 31 يوليو، إلى جانب المصور رامي الريفي. وبعد مقتلهما، أصدر الجيش الإسرائيلي وثيقة قال إنها تدعم العديد من المزاعم ومنها أن الغول حصل على رتبة عسكرية من حماس في عام 2007 - عندما كان عمره عشر سنوات. وكان الغول والريفي من الصحفيين الخمسة الذين انتهت لجنة حماية الصحفيين إلى أنهم لقوا مصرعهم في عمليات قتل مستهدفة.

تبدو الاتهامات الأخيرة الموجهة للرجال الستة وقحة ومرعبة. ومن الصعب أن ننظر إلى قائمة الأسماء إلا بوصفها قائمة اغتيالات ويزعم الجيش أن المعلومات الاستخباراتية تدعم اتهاماته، ولكن رئيسة لجنة حماية الصحفيين قالت: إن الوثائق لا تبدو ذات مصداقية. وقالت إنها تخشى أن تكون الاتهامات محاولة «لتبرير أي هجوم محتمل في المستقبل على هؤلاء الصحفيين الستة بما يجعلهم معرضين لمزيد من الخطر، إذ أنهم بالفعل معرضون له بشدة».

ومن المستحيل أن نتجاهل توقيت توجيه الاتهامات إلى الصحفيين الستة، إذ يأتي خلال إحدى أكثر مراحل الحرب الإسرائيلية في غزة احتداما وتدميرا حتى الآن. فقد أمر المسؤولون الإسرائيليون نحو أربعمائة ألف شخص بمغادرة منازلهم في الشمال، دونما ضمان حقيقي للسلامة أو العودة. والشعب كله الآن معرض لخطر المجاعة، وكل تصريح جديد يصدر من مسؤولي الأمم المتحدة أو من الأطباء القلائل المتبقين إنما يكون أشد قتامة. ومع استمرار إسرائيل في منع وسائل الإعلام الأجنبية من دخول غزة بشكل مستقل، فإن عبء توثيق هذه الحرب أصبح يقع بالكامل تقريبا على عاتق الصحفيين الفلسطينيين. ومع كل صحفي يلقى مصرعه، يسكت صوت آخر، وتصبح النافذة التي يرى العالم منها غزة أصغر حجما.

وفقا لمتحدث باسم قناة الجزيرة، أصيب الوحيدي - وهو مصور الجزيرة الذي أصيب برصاصة في التاسع من أكتوبر- بالشلل نتيجة لإصاباته، وهو الآن في غيبوبة في مستشفى في غزة. ومع تدمير النظام الصحي في غزة، يحتاج الوحيدي، وكذلك علي العطار، وهو صحفي آخر من الجزيرة أصيب في هجوم آخر، إلى إجلاء طبي فوري لم تسمح به السلطات الإسرائيلية حتى الآن.

قال شبات في بث مباشر أخيرا: «إننا على مدى عام كامل نعرض المشاهد نفسها – والنزوح نفسه، والمجازر نفسها والقصف نفسه فوق رؤوس المدنيين. وكل ما نحتاج إليه هو ألا تتركونا وشأننا، نصرخ حتى تبح أصواتنا، ولا أحد يسمعنا».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق