عاشت عُمان اليوم يوما آخر من أيامها الماجدة التي يفخر بها العمانيون ويراكمونها فـي سجلاتهم الوطنية التي تتحول إلى نياشين يعلقونها على صدورهم؛ فتزيد جباههم رفعة نحو السماء. وعبّر العمانيون فـي كل مكان عن صادق حبهم وولائهم للوطن وللقائد وتعاهدوا،كما فـي كل عام، على استمرار العطاء من أجل مستقبل أكثر إشراقا وبناء أكثر رسوخا، فـيما أكدت روح الوطن التي تنبض فـي كل مكان أن عُمان باقية على العهد فـي تحقيق التقدم والازدهار فـي كل مسارات الحياة وبناء إنسانها معرفـيا وأخلاقيا وقيميا.
ورغم أن روح الاحتفال ومظاهره كانت فـي كل مكان اليوم، فـي وجوه البشر الباسمة والمستبشرة وفـي الطرقات التي ترفرف بأعلام الوطن وتزدهي حوافها بمنجزاته، وفـي أعماق الناس الذين يفخرون بوطنهم وأمجاده ومساراته الراسخة نحو المستقبل إلا أن الأعين كانت ترنو إلى ميدان العرض العسكري بمعسكر الصمود التابع لقوات السلطان الخاصة حيث كانت ذروة الاحتفال ومركز دلالاته ورمزياته الكبيرة التي جمعت الحاضر بالماضي، جمعت أمجاد عُمان العسكرية عبر التاريخ بمنعتها واستقرارها فـي هذا العهد الزاهر فـي امتداد للقوة وإن اختلفت أدواتها. وفهم هذه الدلالة مهم جدا لفهم سر استقرار عُمان. والعمانيون رغم كل ما حققوه من منجزات ثقافـية وفكرية عبر التاريخ، وما زالوا، إلا أنهم جبلوا على حب العسكرية والنظر إليها باعتبارها الممكِّن الأهم لاستقرار البلاد وتأمين مسارات البناء والتعمير وحماية المكتسبات التي يحققها الوطن بأيدي أبنائه الكرام. وجسدت الوحدات الرمزية لقوات السلطان المسلحة التي شاركت فـي الاستعراض العسكري اليوم روح عُمان التي حافظت على هويتها، وعلى قوة الإرادة التي لا تحدها أي حدود ولا يقف فـي وجهها أي سد مهما كان منيعا. ويمكن هنا أن نستذكر مقولة الفـيلسوف الصيني صن تزو: «القوة ليست فقط فـي السلاح، بل فـي إرادة الشعوب». ولعلّ العمانيين هم خير من يجسد هذه النظرة الفلسفـية الثاقبة، هم شعب يملك إرادة من حديد خاصة فـي لحظة الحقيقة التي تعادل الوجود، وفـي اللحظة التي يكون فـيها عليهم أن يحموا وطنهم ويدافعوا عن مكتسباته.
ويعرف العمانيون جيدا لماذا تحتفل بلادهم فـي كل عام فـي عيدها الوطني باستعراض عسكري رغم العدد الكبير من المشاريع التي يعلن عن تدشينها كل عام والتي يصلح أي منها أن يكون هو مركز الاحتفال وذروته لكن العرض العسكري يبقى مجاورا لكل المنجزات وكل المشاريع الكبرى.. وهذا الربط يحمل دلالات ورمزيات واضحة فهي تذكر العمانيين والعالم أن ما وصلت له عُمان من ازدهار ما كان ليكون لولا منعتها التي تصنعها قوة جيشها الذي هو درعها الحصين وحامي مكتسباتها، وتصنعها أيضا إرادة شعبها التي لا تلين أبدا.
ومنذ أن تولى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- مقاليد عرش عُمان وعجلة التقدم مستمرة لا تتوقف وفق رؤية واضحة المعالم شارك فـي وضعها أبناء عُمان فـي كل مكان هي اليوم خارطة طريق نحو المستقبل.. وأثبتت السنوات الأربع التي توشك على الاكتمال من عمر رؤية عُمان أن مستهدفاتها تسير من نجاح إلى آخر.. وأن أهم ركيزة من ركائز هذه الرؤية أنها تؤسس لفكرة الاستدامة فـي كل القطاعات: الصحة والتعليم والاقتصاد والتنمية الاجتماعية وكذلك فـي الجوانب المالية فـي لحظة ما زالت غير واضحة المعالم بالنسبة للعالم أجمع.
وتسعى سلطنة عُمان لترسيخ مجتمع معرفـي متمسك بقيمه ومبادئه ومنطلق من هُويته الأصيلة، ومثل هذه الرؤية لا تنفصل عن القيم الإنسانية الراسخة فـي وجدان العمانيين مثل قيم العدل والمساواة والتسامح التي تشكل جوهر الاستقرار والتعايش.
وبهذا المعنى وبكل هذه القيم التي يشعر بها العمانيون ويستحضرونها فـي عيدهم الوطني كل عام لا يبقى العيد مجرد ذكرى عابرة بل مناسبة تتجدد فـيها الوطنية وتحب التضحية من أجل عمان والتطلع الآمن لمستقبل أكثر إشراقا.. وقد يكون هذا أحد أهم أسرار الفرحة العميقة التي كانت حاضرة اليوم فـي وجوه العمانيين، ومثل تلك الفرحة يعول عليها كثيرا فـي فهم قدرة أي شعب من الشعوب فـي التضحية من أجل وطنه وأمجاده.
0 تعليق