بل الملاحظ أن الكثير منا يلجأون إلى تناول أدوية من الطبيعة، لا يعرفون عنها شيئا ولم يجربوها من قبل، لمجرد كونها من مصدر طبيعي، بينما نجده يتردد كثيرا عند تناول دواء مصنع خضع لبحوث ودراسات لا حصر لها.
فهل ثمة فرق بين المنتج الطبيعي والمنتج الصناعي؟ وهل حقا المنتج الطبيعي أكثر أمنًا من المنتج المصنع؟
بداية لا بد من التوضيح، ما الذي نعنيه بالمواد الطبيعية؟ وما الذي نعنيه بالمواد الكيميائية؟ وما الفرق بينهما؟
أول التعريفات التي ربما توضح المقصود بالمواد الطبيعية هي تلك المواد التي وجدت في الطبيعة كما هي ولم يتدخل الإنسان في رعايتها، ولنأخذ مثلا على ذلك، الثوم هذه النبتة التي عرفت بخواصها الطبية، فهل إذا اشترينا الثوم من السوق اعتبرت نبتة طبيعية بهذا المعنى؟ والجواب كلا، فإن هذه النبتة رعتها يد الإنسان، فقد أولاها عنايته بأن وضعها في بيئة مناسبة، وسقاها بالماء وربما أضاف إليها بعض الأسمدة الطبيعية التي ساهمت في نموها، فهل هذا الثوم وجد في الطبيعة دون تدخل الإنسان؟!
إن هذا الثوم لم يكن لينبت لولا رعاية الإنسان له وعنايته به، ولذا فلا يبدو أن هذا التعريف الذي سقناه دقيقا بهذا المعنى، فليس كل تدخل للإنسان في المنتج ما يخرجه من كونه طبيعيا.
حسنا، ربما يقصد من المنتج الطبيعي هو الذي يحتوي على مكونات طبيعية، ولا يحتوي على مكونات مصنعة.
أحد المركبات المهمة التي يحتويها نبات الثوم هو مركب يسمى allicin وهذا المركب يمتلك خواص المضادات الحيوية، ولأنه يوجد في الطبيعة فنحن نطلق عليه مركبًا طبيعيًا، ولكن ماذا لو تم تصنيع هذا المركب في المختبر؟ هل يعد مركبًا طبيعيًا؟ أم أنه في هذه الحالة سيعد مركبًا كيميائيًا غير طبيعي؛ لأنه تم تصنيعه في المختبر؟
لا شك أنه وحسب تعريفنا الأخير فإنه يعد مركبًا مصنعًا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل هناك فرق بين مركب allicin الموجود في الثوم وبين مركب allicin تم تصنيعه في المختبر؟!
إذا قلنا بأن هناك فرقا بينهما وإن allicin الموجود في الثوم يختلف عن allicin الذي تم تصنيعه في المختبر، فهذا يعني أنهما مركبان مختلفان، وهذا ينقض كلامنا الأول والذي قلنا فيه أنهما نفس المركب، حسنا إذن هما نفس المركب ولكن أصلهما مختلف فالأول أصله من الثوم وهو طبيعي والثاني من المختبر وهو مصنع.
لنفترض أننا قمنا واستخلصنا مركب allicin من الثوم بطريقة آمنة ١٠٠٪، ووضعناه مع allicin المصنع كيميائيا، فهل يمكننا التفريق بينهما، وهل أثرهما سيختلف؟ وبمعنى آخر هل allicin المستخلص من الثوم سيتذكر أن أصله من الثوم ولذا فإنه سيؤثر إيجابيا على صحة الإنسان بينما سيسلك allicin المصنع كيميائيا سلوكا مغايرا وسيضر بصحة الإنسان؛ لأنه تم تصنيعه في المختبر؟!
والجواب كلا، فالمركبات الكيميائية لا تمتلك ذاكرة تستطيع أن تتذكر أصلها ونسبها، ولا تعمل بوظيفتها بناء على مصدرها، بل تعمل هذه المركبات الكيميائية بناء على تركيبتها الكيميائية وشكلها الفيزيائي، وبما أن allicin من كلا المصدرين يحملان نفس التركيبة الكيميائية ونفس الشكل الفيزيائي فإن أثرهما لن يختلف إطلاقًا.
ولنأخذ مثالًا آخر لتتضح الصورة بشكل أفضل، فمن المعروف أن مادة الكحول (الاسم العلمي لها هو الإيثانول) تسبب الإسكار، وهي التي توجد في المسكرات كالخمرة المحرمة في الشريعة الإسلامية، ويتم إعداد الخمرة تاريخيا وما زالت من خلال عملية التخمير للعنب، لكننا اليوم يمكننا إنتاج الكحول من مختلف المواد، فيمكن إنتاج الكحول من النفط، ويمكننا إنتاج الكحول من الخشب أيضا، فهل الكحول التي تم إنتاجها من عملية التخمر مسكرة، وتلك التي تم إنتاجها من الخشب أو النفط عبر التفاعلات الكيميائية هي كحول غير مسكرة؟!
والجواب كلا فكلها مسكرة، وبغض النظر عن مصدرها، فالكحول لا يتصرف بناء على نسبه وأصله، بل بناء على طبيعته الكيميائية وشكله الفيزيائي.
وقد يعد البعض ذلك غرورا من الإنسان فكيف يمكن للإنسان أن يضاهي الله في خلقه فينتج مركبا لا يتخلف في الإبداع إطلاقا عما خلقه الله!
والواقع أن المقارنة بين ما صنعه الإنسان وبين ما خلقه الله تعالى غير صحيحة، فما صنعه الإنسان إنما صنعه بقدرة الله تعالى، فالله هو الذي أودع في الإنسان هذه القدرة والإمكانات، فما صنعه الإنسان دليل على عظمة الخالق جل وعلا، فإبداع الإنسان مردُّه إلى الله جل وعلا ولذا فليس صحيحا أن نعتبر ما صنعه الإنسان مقابلا لما خلقه الله جل وتعالى وكأننا نقارن بين منتجات شركتين مختلفتين، بل هو خالق واحد لا إله ولا خالق غيره تجلت قدرته.
0 تعليق