أوروبا وعودة ترامب - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة ـ قاسم مكي

عندما سافرتُ إلى فرنسا وألمانيا في الأسبوع الماضي توقعت أن أجد الأوروبيين مذهولين ومذعورين من الانتصار الحاسم الذي حققه الرئيس المنتخب دونالد ترامب. لكن وأنا جالس في قاعة اجتماعات بمبنى وزارة الخارجية الفرنسية أثناء اجتماع لخبراء أمنيين سمعت اعترافا عمليا (بانتخاب ترامب) عبر عنه أحد الدبلوماسيين بقوله «الناخبون الأمريكيون قالوا كلمتهم».

في الواقع لا يزال الأوروبيون متوترين تماما إزاء ترامب. يرتكز ذلك التوتر على خطاب حملته الانتخابية عن «أمريكا أولا» وسجِلِّه في فترته الرئاسية الأولى كمُنتقِد لحلف شمال الأطلسي (الناتو). لكنني وجدت شعورا مفاجئا بقبول عودته إلى سدة الحكم في أربع اجتماعات منفصلة في باريس وبرلين. لخَّص ذلك القبول بنيامين حداد وزير فرنسا للشؤون الأوروبية حين قال مخاطبا تجمع الخبراء الفرنسيين والألمان والبولنديين في مقر وزارة الخارجية الفرنسية «عملنا مع إدارة ترامب الأولى وسنعمل مع الإدارة الثانية... يجب أن تكون محايدا عاطفيا تجاه ما هو خارج سيطرتك». ولم أسمع صوتا مخالفا لما قاله حداد حول الطاولة.

المصدر الرئيسي للقلق في ذلك الاجتماع كما في كل الاجتماعات الأخرى كان موقف ترامب من أوكرانيا. فقد حذر الوزير الفرنسي من أن «استسلام» الولايات المتحدة للرئيس فلاديمير بوتين سيكون «كارثيا» لأوروبا.

الاجتماع الذي انعقد بوزارة الخارجية الفرنسية والاجتماعات الأخرى تولَّى تنظيمها صندوق مارشال الألماني وهو مركز أبحاث مقره في الولايات المتحدة.

شرع القادة الأوروبيون في التواصل مع ترامب منذ فوزه في الخامس من نوفمبر. لقد وجدوا فيه رئيسا منتخبا يطرح أسئلة عن أوكرانيا بدلا من تقديم مطالب. المثال على ذلك مكالمة أجراها المستشار الألماني أولاف شولتز عند نهاية الأسبوع الذي أعقب انتخاب ترامب. فحسب مسؤول ألماني رفيع مطَّلع على ما جرى في تلك المكالمة سأل ترامب المستشار الألماني بقوله «ما هو رأيك في خطة الانتصار (التي وضعها الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي؟ ما رأيك في بوتين؟»

جمع الأوروبيون ملحوظات حول مكالمات مماثلة لزعماء فرنسا وبولندا والدنمارك وجمهورية تشيكيا وبلدان أخرى. قال المسؤول الألماني» كانت المكالمات ودية بأكثر مما هو متوقع. وكان ترامب أكثر إنصاتا. لقد أعدَّ نفسه جيدا ولم يكن يُلقِي الكلام على عواهنه».

يقينا، هذه التعليقات المتفائلة تعكس رغبة أوروبا في تطوير علاقة عمل جيدة مع ترامب في وقت أزمات واضطراب. عبر عن ذلك في تجهُّم وزير خارجية سابق أثناء المناقشة التي جرت يوم الخميس الماضي في برلين حين قال: «إنه أسوأ كابوس من منظور أوروبي. في الشرق هنالك معتدٍ إمبراطوري وفي الغرب أمريكا التي لم تعد عبر- أطلسية وفي الوسط أوروبا الضعيفة».

ذكر لي مسؤولون عديدون أن الناطق الرئيسي لأوروبا في المحادثات مع ترامب سيكون على الأرجح مارك روته وهو رئيس وزراء هولندي سابق والأمين العام الجديد لحلف الناتو. يوصف روته بأنه الأقدر تأثيرا على ترامب لأسباب من بينها تهدئته له عندما كان رئيسا بعد خطبته الطويلة والناقدة عن الناتو وذلك بإقراره أن ترامب على حق في مطالبة أعضاء الحلف إنفاق المزيد على الدفاع.

من المتوقع أن يسافر روته إلى مارا لا جو (مقرّ ترامب) عما قريب لمناقشة الإستراتيجية الخاصة بمفاوضات السلام الأوكرانية والتي قال ترامب إنه يريدها، حسبما ذكر لي المسئولون. وتوقع المسؤول الألماني أن تكون رسالة روته عند اجتماعه بترامب كالتالي: مصالح ترامب ومصالح أوروبا سيخدمهما «سلام عادل ودائم» لا يكافئ العدوان الروسي ويمكن أن يقدم ضمانات أمنية مستديمة لأوكرانيا. (بالفعل اجتمع روته مع ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا يوم الجمعة 22 نوفمبر وذكرت الناطقة باسم الناتو أنهما ناقشا القضايا الأمنية العالمية التي تواجه الحلف - المترجم).

الصفقة السيئة سيتضرر منها ترامب بقدر ضررها لأوروبا. وغالبا ما سينصح روته وآخرون ترامب برسالة فحواها حسب المسؤول الألماني» ضع في بالك أنك سيلزمك حل مشكلة أوكرانيا بطريقة لا تشكل هاجسا لك خلال فترة رئاستك». وسيحاجج الأوروبيون بأن شرط أية اتفاقية سلام ناجحة هو «عدم تجدد هذه الحرب مرة أخرى» لأن أمن أوكرانيا سيكون محميَّا.

أثناء اجتماع خاص في بروكسل الأسبوع الماضي مع وزراء الدفاع في بلدان حلف الناتو حثَّ مارك روته القادة الأوروبيين على التعامل مع ترامب. وحسب مسؤول أوروبي كان حاضرا قال لهم روته ناصحا «لا تغتابوا ترامب. اتصلوا به واجعلوه يدعمكم. تأكدوا من بقاء أمريكا إلى جانبكم».

يقول هذا المسؤول أيضا أن روته حثَّ وزراء الدفاع الأوروبيين على زيادة إنفاقهم الدفاعي بمعدل أعلى من النسبة المستهدفة وهي 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال لهم: «إذا انتهت هذه الحرب بانتصار روسيا. سيجعلها ذلك أكثر جرأة. ولن تكون تكلفة ردها بعيدا عن حدودنا 3% من الناتج المحلي الإجمالي ولكن 4% أو 5%».

طرح الأوروبيون عشرات الأسئلة عن ترامب أثناء لقاءاتي معهم. وفي حفل عشاء فاخر في باريس سأل ضيوف عديدون عن دور إيلون ماسك في الإدارة الأمريكية الجديدة. كما تساءل ضيف عما إذا كان بيت هيغسيث، مرشح ترامب لتولي حقيبة وزارة الدفاع، سيقوِّض الجيش الأمريكي الذي يعتمد عليه الناتو. وكان ضيف آخر يريد أن يعرف ما إذا كان ترامب سيسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثالثة.

هذا الفضول نفسه كان ظاهرا في مؤتمر للخبراء الأمنيين الألمان في برلين. تساءل الضيوف هناك: هل سيحاول ترامب «صانع الصفقات» العظيم عقد صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل (كانت إجابتي نعم سيحاول) كما سألوا: هل يتعامل مع رئيس الصين شي جينبينج (كانت إجابتي ربما سيحاول إذا سمح له الصقور في إدارته بذلك). وتنبأ أحدهم بحدث مرعب وهو نشوب حرب مع روسيا خلال أربع سنوات إذا لم توقَف موسكو عند حدها في أوكرانيا.

ما استخلصته من هذه المناقشات هو أن أوروبا تعلم أنها بحاجة إلى ترامب. ففرنسا وألمانيا وهما الركيزتان التقليديتان للاتحاد الأوروبي ضعيفتان سياسيا وماليا. وروسيا المتوعدة والمهددة بالباب. وترامب يقود تحالفا عبر أطلسي متهالكا سواء أعجبه ذلك أم لم يعجبه. السؤال الحاسم هو: كيف سيعمل مع أوروبا لوقف الصراع الحالي في أوكرانيا وتجنب جولة أخرى.

ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشئون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست

الترجمة خاصة لـ «عمان»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق