لهذا منح أبي صوته لليمين المتطرف في رومانيا - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في يوم الأحد الماضي، أفاق بلدي فجأة على صدمة جماعية، وبتنا منذ أيام نستهلك اسمًا واحدًا هو كالين جورجيسكو، الذي أدى صعوده غير المتوقع إلى قمة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا إلى استقطاب البلد إلى حد غير مسبوق منذ أن أصبحنا دولة ديمقراطية قبل خمسة وثلاثين عاما.

تضج شوارع رومانيا وشاشاتها وموائدها بمناقشات حول استطاعة مرشح قومي متطرف من أقصى اليمين أن يجذب انتباه الأمة - وأصواتها. وقد نزل المتظاهرون، وكثير منهم من الشباب، إلى الشوارع بالفعل.

لكن أكثر من مليوني روماني صوّتوا لصالح جورجيسكو. وكان منهم أبي وهو ضابط شرطة متقاعد. يقضي أبي الكثير من وقت فراغه مشاهدا تيك توك، وقد جرفه خطاب جورجيسكو. أمدته خوارزميات تيك توك بسيل مستمر من مقاطع الفيديو القصيرة والمؤثرة لجورجيسكو وهو يستنفر الوطنية ويتعهد «بوضع رومانيا أولا» قبل أسابيع من الانتخابات. أوضح لي أبي أن تصويته لم يكن بالضرورة إقرارا بمعتقدات جورجيسكو القومية - حتى وإن كان لها بعض الصدى بنفسه - بقدر ما كان احتجاجا على المؤسسة السياسية. قال لي: «لقد أردت أن أعاقب الطبقة السياسية السائدة».

ليست مشاعره هذه غير شائعة. فعلى مدى السنوات الخمس والثلاثين الماضية، شهدت رومانيا في ظل الحزبين المهيمنين -أي الديمقراطيين الاجتماعيين من يسار الوسط والليبراليين من يمين الوسط- فضائح فساد ومحسوبية واحتيال تربيطات سياسية واستخدام مريب للأموال العامة. ولم يؤد قرار الحزبين بالحكم معًا من خلال ائتلاف على مدى السنوات الثلاث الماضية، إلا إلى تعميق انعدام الثقة العامة، وتعزيز التصور بأنهما جميعا معًا ضد الشعب. فلم يكن التصويت لصالح جورجيسكو -بالنسبة للعديد من الرومانيين- محض مسألة أيديولوجية، بل كان أيضا ناجما عن إحباط.

ومع ذلك، أعترف بأنني غضبت عندما أخبرني والدي للمرة الأولى بأنه صوّت لجورجيسكو. ولكن عندما أخذنا نتحدث، بدأت أفهم وجهة نظره. فهو جزء من جيل التضحية، أولئك الذين كانوا في العشرينيات من أعمارهم عندما سقطت الشيوعية وتحملوا منذ ذلك الحين عقودا من الحنث بالوعود. ولم يكن تصويته، شأن أصوات كثيرين آخرين، يتعلق بالتحالف مع تطرف أقصى اليمين وإنما كان صرخة يأس من أجل التغيير.

وليس هذا محض انقسام بين الأجيال. فالشباب أيضا انجذبوا إلى جورجيسكو. وفيما أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أرى أصدقاء قدامى من المدرسة -بعضهم حاصل على شهادات جامعية، وبعضهم يعمل في وظائف مستقرة- ينشرون كتابات تعكس خطابه القومي. وإحباطاتهم تعكس إحباطات الناخبين الأكبر سنا: ارتفاع تكاليف المعيشة، وركود الأجور، والشعور السائد بأن النظام مزور ضدهم.

غير أن ثمة قضية أعمق في هذا الصدد، وهي قضية تتجاوز أصوات الاحتجاج والإحباط السياسي. فمن المغري أن ننبذ أنصار جورجيسكو باعتبارهم غير متعلمين أو مضلَّلين أو مخدوعين بخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن في هذا تجاهل لسياق أوسع. فالأحزاب الرئيسية في رومانيا لم تفشل فقط في معالجة القضايا الأساسية من قبيل التضخم -الذي يعد حاليا ضمن أعلى المعدلات في أوروبا- لكن فسادها أدى أيضًا إلى تنفير الناخبين. وينبغي أن تكون نتائج هذه الانتخابات جرس إنذار لكي تفيق هذه الأحزاب. لأنني والعديد من الرومانيين الآخرين نحمّلها مسؤولية ما حدث.

لقد أمرت المحكمة العليا في رومانيا بإعادة فرز جميع أصوات الجولة الأولى لاستبعاد الاشتباه في الاحتيال. وقد تتخذ قرارا يوم الجمعة بإلغاء نتيجة الجولة الأولى بعد أن تقدم مرشحان مستقلان، حصلا على أقل من 1% من الأصوات، بشكاوى احتيال.

ومن المرجح أن يؤدي هذا القرار إلى مزيد من الاستقطاب في المجتمع الروماني. لكن الأدعى للقلق هو أن رومانيا لم تعد تكافح الفساد أو عدم الكفاءة فحسب -فهي للمرة الأولى منذ عام 1989، عند مفترق طرق بين قيم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من ناحية وإغراءات الانعزالية ونظريات المؤامرة والمثل المناهضة للديمقراطية وروسيا من الناحية الأخرى. فقد شككت حملة جورجيسكو في كل شيء بدءًا بالدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي في رومانيا إلى أزمة المناخ وحقوق الإنجاب وعلاقتنا بالاتحاد الأوروبي، مع الثناء على فلاديمير بوتن وانتقاد دعمنا لأوكرانيا.

كيف بلغنا هذه النقطة؟ لقد أصبحت منصات من قبيل تيك توك أدوات قوية لنشر الدعاية القومية، وغالبا دون تدقيق كاف. ولكننا فشلنا، كمجتمع، في الإنصات لإحباطات ومخاوف بعضنا البعض. ولو أن لنا أن نمضي قدمًا، فعلينا أن نعبر الفجوات التي فضحها صعود جورجيسكو. وعلينا أن نجلس مع أصدقائنا وعائلاتنا وجيراننا -ممن صوّتوا بشكل مختلف عنا- ونصغي إليهم.

ولا بد للنضال ضد الاستقطاب وخيبة الأمل أن يشمل محاسبة الطبقة السياسية التي عجزت طوال عقود عن تحقيق الإصلاحات والمحاسبة التي نحتاج إليها بشدة. ولدينا فرصة للقيام بذلك يوم الأحد، عندما تجرى انتخابات برلمانية قد تسفر إما عن ائتلاف يميني متطرف أو ائتلاف أكثر اعتدالا يتألف من الأحزاب السياسية القديمة والأحزاب التقدمية الجديدة من قبيل حزبي SENS وREPER. وبعد أسبوع، علينا أن نختار بين جورجيسكو والمرشحة المؤيدة لأوروبا إيلينا لاسكوني في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ولا ينبغي أن نواجه فقط التطرف الذي يمثله جورجيسكو، بل علينا أيضًا أن نعالج إخفاقات النظام التي أدت به إلى هذا البروز.

طريق التقدم إلى الأمام غير مضمون، ولكن من الواضح أن فوز جورجيسكو يعني أن أشخاصا من أمثال صديقة طفولتي ديانا -وهي طبيبة موهوبة غادرت رومانيا إلى إسبانيا محبطةً من خلل نظام الرعاية الصحية لدينا، وما ذلك غير جزء من هجرة العقول المستمرة- لن يعودوا إلى الوطن. ويعني أيضًا أن تومينا، 28 عاما، التي تعمل في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات في أحد البنوك في بوخارست سوف تعيد النظر في قرارها بالبقاء في رومانيا. وشأن العديد من المهنيين الشباب الذين عادوا بعد الوباء، هي الآن تستعد للرحيل مرة أخرى. فقد اعترفت لي بقولها «أشعر أنني ساذجة. كيف لم أنتبه إلى صعود هذا الرجل؟».

أندريه بوبوفيتشيو صحفي استقصائي روماني

عن الجارديان البريطانية

أخبار ذات صلة

0 تعليق