تسعى العديد من الدول إلى الاهتمام بالموهوبين ورعايتهم؛ نظرًا لمكانتهم فـي الرأسمال الوطني باعتبارهم الثروة المستدامة، وأهم العناصر الفاعلة والفعّالة فـي البناء والتطوير، لذلك تواصل بعض المؤسسات فـي الدول المتقدمة البحث عن الخامات الموهوبة التي تدر عليها عوائد مادية ومعنوية فـي المستقبل، لذا حري بمؤسساتنا الوطنية إلى نهج الطرق والأساليب الحديثة فـي احتواء ورعاية الموهوبين عبر أدوات قياس حديثة وبرامج وخطط متكاملة تستثمر العنصر البشري وبناء قدراتهم لخلق جيل مبدع فـي كافة المجالات.
إذا ألقينا نظرة عامة على عدد من المؤسسات المعنية بالموهوبين، نجد أن وزارة التربية والتعليم، وهي الجهة المعنية باكتشاف المواهب، قد أنشأت قسمًا يختص برعاية الموهوبين يعمل على «تطوير أساليب وأدوات اكتشاف الطلاب الموهوبين والإشراف على تطبيقها فـي المناطق التعليمية. وإعداد برامج ومناشط خاصة بالموهوبين بالتعاون مع الجهات المعنية، والتنسيق مع وسائل الإعلام لإجراء مسابقات للطلاب الموهوبين لإظهار مواهبهم، والاتصال بالقطاع الخاص من أجل المساهمة فـي دعم برامج وأنشطة الطلاب الموهوبين وذلك من أجل الاستفادة من ابتكارات الموهوبين، ومتابعة تنفـيذ البرامج الموجهة للطلاب الموهوبين بالمدارس والاستفادة من نتائجها فـي تطوير البرامج».
لكن يبدو أن تلك الاهتمامات منصبة على موهبة التحصيل الدراسي بناءً على نتائج الاختبارات، وإن كان الأمر محمودًا، فإن الموهوب فـي المجالات الإبداعية الأدبية منها والفنية قد لا يحظى بالرعاية المطلوبة إما لضعف الإمكانيات أو افتقار المؤسسات التعليمية إلى أدوات قياس تمكنها من الكشف عن الموهوب فـي بداية تبرعمه، ولسد تلك الفجوة أنشأت وزارة الثقافة والرياضة والشباب مؤخرًا دائرة لرعاية الموهوبين مهمتها اكتشاف المواهب وتنميتها ورعايتها فـي بيئة مشجعة تراعي المراحل السنية وخاصة فئات الناشئة والشباب.
إن جهود تلك المؤسسات تُذكر فتُشكر لكن الاهتمام بالموهوبين فـي كافة الميادين يتطلب استراتيجيات وبرامج مشتركة تسهم فـيها الجهات المعنية بالموهوبين مثل: وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، وجامعة السلطان قابوس، وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وهذا ما توصلت إليه دراسة علمية ممولة من جامعة السلطان قابوس للدكتور محمد أحمد حسن حمدان، حملت الدراسة عنوان «اكتشاف ورعاية الموهوبين بسلطنة عمان بين الواقع والمأمول: 2015». وقدمت بعض الملحوظات على جهود المؤسسات المعنية برعاية الموهوبين، ومن أهم تلك الملحوظات «معظم الجهود على شكل أنشطة وليست مشروعات، مما يحول الأنشطة إلى فعاليات مبعثرة. معظم الأنشطة نمطية من نوع المسابقات وتقديم الجوائز مع عدم وضوح غالبًا الهدف من هذه المسابقات هل للمساعدة على الكشف عن الموهوبين كخطوة لتبنيهم وتصميم برامج مناسبة لرعايتهم، أم لغايات دعائية، أم هو إظهار لقدرات الطالب فـي المؤسسات التعليمية المختلفة من غير وضوح لما سيقدم لهم بعد ذلك. اختلاف واضح وربما لبس معرفـي أحيانًا لمفهوم الموهبة والموهوب، من مؤسسات أخرى ونشاط آخر. الافتقار لبرامج الشراكة مع الأهل، والبرامج الإرشادية للأسر الموهوبة. ضعف واضح فـي دور القطاع الخاص. ضعف واضح فـي دور مؤسسات المجتمع المدني، وندرة المؤسسات المتخصصة بمواهب محددة، الافتقار إلى الاختصاص والخبرة سواء على مستوى الموارد البشرية أو المؤسسات بما أن معظم الجهود على شكل أنشطة مبعثرة فإنها غالبًا لا تخضع لتقييم الأثر، وتفتقد للاستمرارية والديمومة والتكاملية والتوثيق. بعض البرامج تم إعلانها كبرامج تجريبية أو ريادية كان من المفترض أن تخضع للتقييم حتى يتم تعميمها، ولكن لم نتمكن من الوقوف على إنجازات هذه التجارب وأين وصلت ولماذا لم يتم تعميمه».
قدمت الدراسة السابقة بعض المقترحات التي نجدها مهمة لبناء بيئة محفزة على الإبداع وتحقيق النتائج المطلوبة، وأهم المقترحات «الحاجة لبناء إطار وطني يحدد توجهات سلطنة عمان فـي رعاية الموهوبين. بناء نظام معلومات وطني محدث حول الموهبة والموهوبين وبرامجهم فـي سلطنة عمان. توجيه مراكز الأبحاث والدراسات، والبحث التربوي فـي الجامعات، نحو الدراسات التطبيقية التي تستهدف تحسين السياسات والممارسات فـي هذا المجال، وجود استراتيجية وطنية لرعاية الموهبة والإبداع وتكاملها مع دعم الابتكار والريادة الاجتماعية وريادة الأعمال. برامج نشر ثقافة الإبداع والموهبة فـي المجتمع ومؤسساته».
إن المواهب الإبداعية فـي الآداب والفنون بالذات تتطلب رعاية واهتماما أكبر؛ نظرا للحساسية المفرطة التي يمتلكها أصحاب الخيالات الجامحة، فملكة الإبداع تنشد الحرية والمروق عن المركز، ويزعجها الحشود واتباع مسالك الآخرين، لذلك يتوجب مراعاة هذه الفئة مع متابعة التزامهم بأدوات الإنتاج وأبعاد الإحباط عنهم والشعور بعدم التقدير.
0 تعليق