لماذا تحتاج منظومات الابتكار إلى المزيد من شركات «اليونيكورن»؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في كل عام تنبثق مجموعة من الشركات الناشئة العلمية والقائمة على التكنولوجيا، والعدد الأكبر منها مصدره مشروعات التخرج الطلابية، ولو تتبعنا الأرقام والإحصاءات سنجد أن نسبة من هذه الشركات تتعثر بسبب التحديات الرئيسية التي تواجهها وعلى رأسها التمويل، وتواجه الشركات التي تستمر في أعمالها تحديات مصيرية مثل المنافسة على الحصة السوقية، وكذلك مخاوف تقلبات البيئة الاقتصادية، والتغييرات التكنولوجية، ولذلك فإن منظومات الابتكار الوطنية لا تكتسب القيمة النوعية من هذه الشركات بغض النظر عن ارتفاع عددها، وذلك بسبب الديناميكية العالية التي ترافق نشأتها وخروجها من محيط الأعمال، ولذلك فإن الاحتياج الفعلي لتعزيز الحراك الابتكاري هو الطموح لإنشاء الشركات العلمية المستقرة ذات البعد المستدام، أو ما تعرف اصطلاحًا بالشركات أحادية القرن أو «اليونيكورن».

في البدء تعالوا نقف قليلًا عند هذا المصطلح الذي يُعبّر عن كائن خرافي وشائع في الرسوم المتحركة، حيث ظهر رسميًا مسمى اليونيكورن في عالم الأعمال في عام 2013م، وكان ذلك بعد نشر المقال المشهور لخبيرة الدراسات المالية الأمريكية الدكتورة إيليين لي، والذي أطلق مسمى اليونيكورن على شركات وادي السليكون التي قفزت قفزة هائلة من حيث الأداء المالي والتفوق التكنولوجي، وتخطت قيمة أسهمها حاجز المليار دولار خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا، ولكنها بقيت مملوكة لمؤسسيها، ولم تُطرح مباشرة للاكتتاب العام، وهذه الخصوصية غير المألوفة أضفت على هذه الشركات الصفة الاستثنائية والنادرة مثل القصص الخيالية لمغامرات الحيوان أحادي القرن، وعلى الرغم من أن هذه الاستعارة هي في الأصل رأي شخصي للخبيرة إلا أنه قد وجد قبولًا لدى الأكاديميين والمفكرين، وكذلك قادة الصناعة والأعمال، والصحافة والإعلام، وأصبح اليونيكورن هو المسمى المتعارف عليه للإشارة إلى الشركات الناشئة ذات قيمة المليار دولار، والتي تعتمد على الابتكارات التقنية التحويلية التي تحدث التغيير الجذري في المشهد الابتكاري، ثم قامت دورية هافارد للأعمال بمسوحات لرصد شركات اليونيكورن وقد بلغ عددها آنذاك (39) شركة أحادية القرن، ومع مرور الوقت التفتت دول العالم إلى أهمية دعم هذه الشريحة من شركات الابتكار لدورها الكبير في تعزيز منظومات الابتكار الوطنية، وشهدت هذه الدول نشأة الجيل الثاني من هذه الشركات، مما ألهمت الطموح لوضع شركات اليونيكورن على قائمة المستهدفات الاستراتيجية.

وهذا يثير الكثير من الفضول، فالمؤشرات التقليدية لقياس الأداء في منظومات الابتكار ترتبط بشكل مباشر بالارتفاع الإيجابي في مؤشرات مدخلات ومخرجات الابتكار، ولكن السعي نحو تشجيع نشوء شركات أحادية القرن هو توجه نوعي، والسؤال الأهم هنا هو: كيف يمكن لشركات اليونيكورن أن تعزز منظومات الابتكار الوطنية؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال تعالوا نتوقف عن أحد أبرز الأمثلة على الشركات أحادية القرن والتي تستحق الدراسة والتعلم منها، فهي قد حققت نجاحًا كبيرًا في عبور عتبة المليار دولار في غضون سنوات قليلة، ولم تتوقف عند هذا الحد، ولكنها تمكنت من مضاعفة قيمتها المالية إلى عشرين ضعفًا بالبقاء في الصدارة، والنجاح المذهل في إعادة تشكيل قطاع الابتكار في خضم المشهد المتطور باستمرار للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، والحديث هنا هو عن شركة كانفا (Canva) الأسترالية التي أنتجت منصة للتصميم الجرافيكي، حيث بدأت كشركة ناشئة صغيرة في عام 2013م، وذلك على يد ثلاثة من أساتذة التصميم وهم ميلاني بيركنز، وكليف أوبريخت، وكاميرون آدمز، انبثقت فكرة المنصة من ملاحظات ميلاني أثناء تدريسها لبرامج التصميم الجرافيكي في جامعة غرب أستراليا، حيث لاحظت أن عجز الطلبة عن إنتاج تصاميم ذات جودة يعود إلى صعوبة استخدام برامج التصميم الإلكترونية التقليدية، ومحدودية أدوات التصميم المتاحة بها، مما شكلا عائقًا كبيرًا للطلبة الذين ليس لديهم تدريب مسبق في مهارات التصميم، وألهم هذا التحدي أستاذة مادة التصميم فكرة إنشاء منصة مبسطة وسهلة الاستخدام، وكما أشارت ميلاني في حديثها إلى أن الهدف قد كان في تحويل التصميم الجرافيكي إلى عملية «بديهية» متاحة للجميع، وتعزيز احتياجات شريحة المستفيدين الذين هم في أمس الحاجة للتصميم ولا يملكون إمكانية الاستعانة بالشركات باهظة الثمن، مثل شريحة الطلبة والمعلمين ورواد الأعمال الناشئين، ومن هنا جاء إيمان فريق ميلاني بأن التصميم لا ينبغي أن يكون حصريًا أو معقدًا.

إن نجاح منصة كانفا يعود بشكل أساسي إلى جودة الفكرة الابتكارية التي كانت موجهة نحو المستخدم، وتدور حول إعادة تعريف التصميم الجرافيكي، وصناعة المحتوى، وذلك على ضوء تسارع الاحتياج للوسائط المرئية في عالم أصبح الاتصال المرئي هو أساس الحياة المهنية والاجتماعية، وبذلك فإن الإطار الاستراتيجي لشركة كانفا يقع ضمن «الاستهداف الموجه»، وأما مسارات النمو والتوسع فقد تمحورت حول الابتكار المستمر لاستكشاف نماذج الأعمال المجدية، وفي الوقت ذاته استقطاب المهارات والكفاءات التقنية والإدارية المتميزة، وتمكنت شريحة كبيرة من هذه الكفاءات من إنشاء شركات ابتكارية بعد انضمامها للعمل في كانفا، واكتساب خبرات عملية في الابتكار وريادة الأعمال، وتُعد قصة نجاح منصة كانفا في حد ذاتها مصدر إلهام المبتكرين الشباب، والشركات الناشئة العلمية على مستوى العالم، إذ أن الفكرة قد واجهت الكثير من التحديات في بداياتها، إذ كافح المؤسسون في إقناع الممولين بجدوى الفكرة، وبحسب تصريحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن فكرة منصة كانفا قد تلقت رفضًا لأكثر من (100) مرة من قبل المانحين للتمويل والمستثمرين، ولكن ثقة الفريق بجدوى الفكرة، وإصرارهم على تحويلها إلى ابتكار فعلى قد ساهم في ظهور المنصة على أرض الواقع.

إن نشوء شركات اليونيكورن ليس مجرد شاهد على نجاح ريادة الأعمال العلمية، ولكنه يعكس الحاجة الواقعية إلى رفع سقف الطموح في إنشاء شركات الابتكار، وتمهيد الطريق للشركات القادرة على إحداث الفارق الإيجابي في النظام البيئي للشركات الناشئة العلمية، والقيام بدورها المحوري في صميم منظومات الابتكار، من حيث تعزيز الأداء الكلي، وبناء الكفاءات والقيادات العلمية، وإيجاد النمو المستدام، وتعزيز الميزة التنافسية، ورفع الجاهزية لمواكبة الجيل القادم من شركات الابتكار العملاقة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق