فـي افتتاح مهرجان المسرح العماني الثامن، سألت المكرّم د.عبد الكريم جواد عن شعوره وهو يقف على المسرح لا بصفته مخرجا، ولا كاتبا، ولا مشاركا ومحاورا، بل مكرّما عن جهوده التي قدّمها للمسرح العماني على مدى أكثر من أربعة عقود، أجاب «التكريم شرف وتقدير وأعتبره تكريما من كلّ الفنانين لأنهم أهلي واخواني وأصدقائي، وأبنائي، هذه الأسرة الجميلة التي عايشتها على مدى عقود طويلة، اليوم أفخر بهم، وأعتز بهم وأعتبر أن التكريم لي، ولهم».
فـي هذه الكلمات عبّر د. عبد الكريم جواد عن انتماء الفنّان الحقيقي لمجتمعه المسرحي الذي يجد به الأخ والصديق والقريب، فالمسرحيون أسرة واحدة، وهو أب روحي للكثير من المسرحيين الشباب، هذا هو جواد الكاتب والمخرج، والأكاديمي، والناقد، والباحث، والمدرّب، وفـي بدايته الممثّل، فهو مسرحي شامل، لعب جميع الأدوار، وتقريبا، تجده حاضرا فـي كلّ فعالية ومهرجان مسرحي محلّي، وداعما، فإن لم يكن مشاركا، فبالتأكيد يقدّم مداخلة.
وحكاية د. عبدالكريم جواد مع المسرح العماني طويلة، بدأت مع تأسيس مسرح الشباب فـي مسقط عام ١٩٨٠ فانضمّ إليه، وتلقّى أولى دروس المسرح من د.مصطفى حشيش، عن تلك المرحلة يقول جواد «كنّا يافعين، ولكننا كنّا ممتلئين بالتطلع والأمل والأحلام»، وفـي العام نفسه (١٩٨٠) شارك بأوّل مسرحية من مسرحيات الشباب، وكانت (تاجر البندقية)، فـي تلك التراجيديا الشكسبيرية وقف ممثّلا، وهو يؤدّي دور (أسانيو) أمام الفنانة فخرية خميس التي أدّت شخصية (اوشيا)، بعدها دخل مجال الإخراج، وشهد عام 1986م إخراجه أول مسرحية وكان عنوانها «أريد أن أفهم» لتوفـيق الحكيم، أعقبها بمسرحية (دختر شايل سمك) التي أعدّها عن موليير، وهو اليوم يعتزّ بها لكونها «كانت محاولة حقيقية لإيجاد مسرح شعبي يقدّم الترفـيه والفكاهة بطريقة محترمة وبذات الوقت يحمل رسالة»، كما يقول، وبعد نجاح التجربة داخل سلطنة عمان، جرى عرضها عام ١٩٨٧ فـي البحرين، ولاقت نجاحا كبيرا، ثم الّف وأخرج العديد من المسرحيات من بينها (السفـينة ما تزال واقفة) عام 1987 و(مخبز الامانة) فـي العام نفسه و(إشاعة فوق تنور ساخن) عام 1989 و(الكرة خارج الملعب) عام 1991 و(هدف غير مقصود) عام 1992 و(الفلج) فـي العام نفسه و(عائد من الزمن الآتي) التي شاركت بمهرجان المسرح الخليجي السادس الذي أقيم فـي مسقط 1999م ونال عنها جائزة أفضل إخراج، و(رجل بلا مناعة) عام 2000 و(احتفالية شجرة الخير) عام 2001، و(زهراء سقطرى) 2005م و(بيت الدمية) 2008م إلى جانب أعمال أخرى عديدة.
خلال ذلك سافر إلى بريطانيا لتكملة دراسته العليا، وكنا نلتقي فـي زياراته لمسقط، وأتاح لي مهرجان المسرح العماني الأول الذي أقيم فـي عام 2004 م فرصة محاورته، والإصغاء إلى مداخلاته فـي الندوات التطبيقية، التي كشفت عن ثقافته المسرحية الرصينة، واطلاعه الواسع على المدارس المسرحية، وخبراته المتراكمة، وفـي تلك الأيام كان قد انتهى من كتابة أطروحته الأكاديمية التي حملت عنوان (العناصر الأسطورية فـي المسرح المعاصر)، وتناول فـيها علاقة المسرح بالأسطورة منذ نشأته عبر التاريخ إلى عصرنا الحالي، وتوقف عند توظيف الأسطورة فـي المسرح العماني والعربي ومناهج النقد المسرحي الحديث، مسلّطا الضوء على الكثير من العروض المسرحيّة العمانيّة، فقد حمل على أكتافه قضايا المسرح العماني وسبل تطويره، وحين صدرت الأوامر السامية فـي عام 2008م بتشكيل لجنة عليا تقوم بدراسة وضع المسرح والدراما العمانية لرسم خطة للنهوض به كان على رأس اللجنة، كما أسندت إليه إدارة مهرجان المسرح العماني الثامن منذ عام 2011 ولغاية 2015م.
على المستوى الشخصي يتمتّع د. عبد الكريم جواد بحسّ إنساني رفـيع، متواضع، يحتفـي بالأصدقاء، ويبتكر المناسبات ليجمعهم، وقبل سنوات بعيدة، اقترح بأن نلتقي مساء كلّ خميس بمقهى منطقة «الخوير» بمشاركة دائرة ضيقة من الأدباء، والفنانين، ومن بينهم الراحل صادق جواد سليمان، ود. خالد الزدجالي، وكان يدعو ضيوف سلطنة عمان لحضور هذه الجلسات ومن بينهم : الكاتب محفوظ عبدالرحمن ود. مدكور ثابت.
وبعد سنوات أمضاها خارج سلطنة عمان للتدريس فـي قسم المسرح بجامعة قطر، عاد ليواصل نشاطاته المسرحية، ويشغل موقع استشاري مشروع المسرح الوطني، فرهاناته على المسرح العماني تبقى قائمة، فهو يقول «أتطلع إلى مستقبل زاهر ومعطاء وثري فـي المسرح العماني، لأنه يحظى باهتمام وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وقبل ذلك يحظى باهتمام مولانا المقام السامي، الذي له نظرة خاصة للمسرح كفنّ له أهمية كبيرة وعطاء فـي تفعيل الواقع الثقافـي والحاضر الثقافـي واستشراف المستقبل».
ويأتي تكريمه اليوم فـي مهرجان الكويت المسرحي فـي نسخته الرابعة عشرة التي تعقد فـي الفترة ٤-١٢ ديسمبر الجاري، إلى جانب عدد من المسرحيين الخليجيين من أعضاء اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية لدول مجلس التعاون الخليجي السابقين والحاليين، بمناسبة مرور ٤٠ عاما على تأسيسها، تتويجا لهذه المسيرة التي ستظلّ متوهّجة.
0 تعليق