الأهداف الحقيقية وراء تطوير الصين لقدراتها النووية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: نهى مصطفى -

منذ عام 2018، حدَّد محللو الدفاع الأمريكيون الصين باعتبارها التهديد الأعظم للأمن القومي الأمريكي. وصفوا بكين بأنها «تحدٍ نظامي»، و«تهديد متنامٍ»، وحتى «خصم مماثل»، وذلك بسبب الحشد العسكري الهائل للصين، وحملتها العالمية للضغوط الاقتصادية. وتشير هذه العبارات الغامضة إلى إجماع متزايد: إن طموحات الصين تعرّض المصالح الوطنية الأمريكية للخطر بشكل كبير. ومع ذلك، لا يوجد إجماع على النية وراء التحركات الاستراتيجية للصين، وأهمها تكديسها السريع للأسلحة النووية.

ينظر مجتمع الدفاع الأمريكي إلى هذا التوسع في إطار عسكري ضيق، حيث يهتم بقدرات الأسلحة وتوازن سباق التسلح. وسعت مقالة للباحث تونغ تشاو، نشرت مؤخرًا في مجلة الشؤون الخارجية، نطاق التحليل من خلال وصف الترسانة النووية الصينية، ليس باعتبارها أداة قسرية لتحقيق أهداف عسكرية محددة جيدًا، بل باعتبارها رمزًا للقوة الوطنية التي تستطيع بكين من خلالها كسب احترام واشنطن باعتبارها لاعبًا رئيسيًّا في الشؤون العالمية.

ولكن أي فهم لهذا التوسع النووي لا بد وأن يأخذ في الحسبان أيضًا نوايا بكين التعديلية.

لدى الصين طموحات كبرى لإعادة تشكيل العالم على صورتها. وتنوي القيام بذلك من خلال الهيمنة أولًا على غرب المحيط الهادئ، ثم جذب جزء كبير من أوراسيا -وهي المنطقة التي تمتد من الجوار المباشر للصين عبر آسيا الوسطى وجنوب شرق أوروبا- وكذلك أفريقيا إلى مدارها. لكن تواجه بكين مأزقًا جغرافيًّا تدركه تمام الإدراك: عدد من الدول قبالة سواحلها انضمت إلى تحالفات تقودها الولايات المتحدة مكرسة للوضع الراهن الإقليمي، والتي تحفزها تصرفات الصين نفسها. إذا صعدت الصين من خلال إطلاق هجوم واسع النطاق على طول محيطها البحري، فإنها تخاطر برد مدمر ومنسق يعرّض خططها العالمية للخطر.

يتعين على الولايات المتحدة أن تنظر إلى الحشد النووي الصيني باعتباره أداة يمكن أن تساعد بكين في حل عزلتها القارية. فقد بدأت الصين حملة غير حربية للضغط لحل نظام التحالف الأمريكي في المحيط الهادئ، وتمنحها ترسانتها النووية المتطورة على نحو متزايد المزيد من النفوذ لتحقيق هذا الهدف دون إشعال حرب كارثية بين القوى العظمى. وإذا فشلت واشنطن في معالجة هذا البعد المتمثل في الاختراق النووي الصيني، فقد تخاطر بموقفها المتقدم في غرب المحيط الهادئ، والذي من خلاله تدافع عن بيئة حرة ومنفتحة ومواتية للمصالح الأمريكية.

يتعين على واشنطن أن تدرك الخطر المحدق بها. ويتعين عليها أن تدرك التصميمات الجيوسياسية التي تتبنّاها الصين لترسانتها النووية المتوسعة، وأن تتحرك للحفاظ على التوازن الإقليمي.

يعتقد الرئيس الصيني شي جين بينج أنه يقود بلاده إلى عصر جديد من الجغرافيا السياسية التي تهيمن عليها الصين. ويرى أن الصراع بين الاشتراكية الصينية والرأسمالية الديمقراطية الغربية جار بالفعل، ويستشهد بازدهار بلاده المتزايد ونفوذها كدليل على استعدادها لتحل محل الولايات المتحدة وإعادة تشكيل العالم. ومن شأن مثل هذا النظام الدولي أن يعكس بشكل أوثق النظام الداخلي للصين أكثر من القيم الليبرالية التي شكلت جزءًا كبيرًا من العالم لعقود من الزمن. ويثق «شي» بشكل خاص في أن الاتجاهات البنيوية -كما يتضح من الأزمة المالية في عام 2008 وصعود الحركات الشعبوية في الغرب- تصب في صالح صعود الصين.

لكن جغرافية الصين تعقّد رؤية «شي». فمثل فرنسا النابليونية في القرن التاسع عشر وألمانيا واليابان والاتحاد السوفييتي في القرن العشرين، تعتبر بكين نفسها محاصرة بدول ساحلية معادية تدعمها قوة بحرية عالمية. ومثل أسلافها، فإن موقع الصين القاري يثير احتمال أن تؤدي الاستراتيجية الصينية السيئة إلى إشعال حرب كارثية مع الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين.

تحتج بكين بأن حدودها البحرية محاطة بسلسلتين من الجزر على شكل هلال متحدة المركز تنتشر فيها قواعد عسكرية وحلفاء الولايات المتحدة. وترتبط الولايات المتحدة بمعاهدات دفاعية مع أستراليا واليابان والفلبين، وكذلك كوريا الجنوبية، التي تقع داخل محيط هذه الحافة.

أحبط هذا الحاجز المدعوم من الولايات المتحدة الصين منذ الأيام الأولى للحرب الباردة، عندما أحبطت شبكة «محورية» من التحالفات الثنائية بين الولايات المتحدة وعدد من دول غرب المحيط الهادئ طموحات بكين الإقليمية. في الخمسينيات من القرن الماضي، هددت الولايات المتحدة، دفاعًا عن حلفائها، الصين بهجوم نووي. في عام 1996، خلال أزمة مضيق تايوان الثالثة، أذلت واشنطن بكين عندما أرسلت مجموعتين من حاملات الطائرات لدعم تايبيه. وتعمل الولايات المتحدة حاليًّا على تعزيز التعاون الثلاثي مع اليابان وكوريا الجنوبية لتعزيز الدفاعات الإقليمية ضد الصواريخ الباليستية. وبينما يراقب «شي» هذا، فإن تجارب الماضي المروعة لا تغيب عن ذهنه أبدًا. تمتلك الصين في الوقت الحالي الكثير مما كانت تفتقر إليه في الماضي: قوة ضاربة، سواء كانت نووية أو تقليدية، من النوع الذي يمكن أن يفصل واشنطن عن حلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

الواقع أن المناقشة الدائرة في الولايات المتحدة حول معنى التراكم النووي الصيني تدور منذ فترة طويلة في إطار عسكري ضيق، منفصلًا عن الجغرافيا السياسية. فقد ركّز المحللون الأمريكيون في المقام الأول على ما إذا كانت بكين منخرطة في سباق تسلح، أو ما إذا كانت تتصدى لما تراه تهديدًا نوويًّا أمريكيًّا متزايدًا، أو ما إذا كانت سياستها المعلنة «بعدم الاستخدام الأول» للأسلحة النووية حقيقية. ولكن اختراق الصين للحدود لا يمكن تقديره بالكامل إلا في سياق طموحاتها الجيوسياسية. والتركيز على الكيفية التي يمثل بها هذا التوسع وسيلة لتحقيق غايات سياسية أوسع نطاقًا يؤكد لماذا لا تهتم الصين كثيرًا بالفهم الأمريكي لـ«الاستقرار الاستراتيجي»، أو فكرة أن المنافسين لن يحاولوا استغلال التطورات العسكرية لصالحهم. وببساطة، فإن الجغرافيا السياسية النووية للصين تدور حول زعزعة استقرار الحاجز البحري المقام ضدها حاليًّا.

سيؤثر النمو النووي الصيني بشكل كبير على طريقة إدراك حلفاء الولايات المتحدة للتوازن العسكري في المنطقة. أثناء تقييمهم لهذا الوضع، يأخذ حلفاء الولايات المتحدة في الحسبان الزيادة الكبيرة في كمية ونوعية الترسانة النووية الصينية. تمتلك الولايات المتحدة حاليًّا نحو 3700 رأس نووي، أقل من نصفها منشور، بينما تعمل الصين بسرعة على سد الفجوة، حيث زادت من مخزونها من الرؤوس النووية من حوالي 200 إلى 500 رأس بين عامي 2020 و2023.

يتوقع البنتاجون أن تمتلك الصين أكثر من 1000 رأس نووي بحلول عام 2030، وأكثر من 1500 بحلول عام 2035. كما أن الصين طورت بالفعل قدرة هائلة على استخدام هذه الأسلحة في ضربات دقيقة للغاية، فهي تمتلك منصات إطلاق صواريخ عابرة للقارات وصواريخ متوسطة المدى أكثر من الولايات المتحدة.

من جهة أخرى، أوقفت واشنطن خيارها النووي الإقليمي الوحيد -صاروخ كروز يُطلق من الغواصات- في عام 2013، مما يعني أنه في حال حدوث أزمة محتملة، لن يكون لدى الولايات المتحدة قدرة نووية إقليمية لطمأنة حلفائها بشأن ضمان أمنهم. من الطبيعي أن يشعر شركاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالقلق من هذا الوضع. فقد أظهرت دراسة حديثة أجراها المكتب الوطني للبحوث الآسيوية أن المزايا الكمية التي تمتلكها الصين أثارت قلقًا كبيرًا بشأن سلسلة الجزر الأولى، خاصة في اليابان. تخشى طوكيو من أن تصبح واشنطن أكثر ترددًا في المخاطرة على طول حافة المحيط الهادئ مع تزايد قدرة الصين على توجيه ضربات دقيقة ضد الولايات المتحدة القارية، مما يمنح بكين القدرة على زيادة الضغط دون استدراج رد فعل أمريكي.

في المقابل، أبدت المؤسسة الدفاعية الصينية اهتمامًا متزايدًا بتطوير استراتيجيات نووية قسرية. يشير بعض منظري الجيش الصيني بشكل متزايد إلى الأسلحة النووية الحديثة التي تمتلكها البلاد باعتبارها «ورقة رابحة» يمكن أن تستخدم لردع التدخل الخارجي في الشؤون الإقليمية. كما خلص العديد من المحللين العسكريين الصينيين إلى أن الإكراه النووي الذي استخدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حربه في أوكرانيا حال دون تدخل حلف شمال الأطلسي بشكل أكبر في النزاع، ما يوحي بأن الصين قد تستخدم ترسانتها النووية لتحقيق أهداف مماثلة.

فكرة الردع الصينية تتضمن، بجانب ردع الخصوم عن اتخاذ خطوات معينة كما في الفكرة الغربية، هدفًا أوسع يتمثل في إجبار الخصوم على تغيير سلوكهم. لطالما نصحت كتيبات التدريب الخاصة بفرع الجيش الصيني المسؤول عن الصواريخ البرية أن مجرد رفع جاهزية الأسلحة النووية إلى مستويات أعلى يمكن أن يُحدث «صدمة نفسية كبيرة في نفسية العدو» ويؤثر على تصرفاته.

وبعد أن أصبحت الصين تمتلك قوة صاروخية قوية قادرة على شن هجمات نووية قسرية، فإن مثل هذه التكتيكات تكتسب مصداقية أكبر في نظر شركاء الولايات المتحدة الإقليميين.

تسعى الصين إلى استخدام قوتها النووية لاختراق حاجز الضغط دون إشعال حرب شاملة بين القوى العظمى. من المرجح أن قدرة الرئيس شي على فرض هيمنته عبر طيف واسع من الصراعات -من الضغوط السياسية منخفضة الكثافة إلى الحرب النووية المحتملة- قد شجعته على تكثيف الضغوط في هذه المنطقة في الأشهر الأخيرة.

تظل تايوان هي الهدف الرئيسي لحملة الضغط التي تنفذها الصين دون اللجوء إلى الحرب. بالإضافة إلى الضغوط العسكرية والسياسية على الجزيرة، تحاول بكين تقليص مكانة تايوان في الساحة العالمية وتهميشها داخل الهيئات القانونية الدولية. لكن التهديد بالتصعيد يعَد الأسلوب الأساسي لجعل تايوان تخضع دون الحاجة إلى حرب شاملة.

يعزز التراكم النووي من موقف شي في قبوله مخاطر أكبر لتحقيق هذه الأهداف. وفي مواجهة هذه التحديات، فإن حملة الضغط الصينية قد دفعت واشنطن إلى موقف دفاعي، مما أدى إلى تزايد قلق شركائها الإقليميين. لم تتناول الإدارة الأمريكية بعد التداعيات الاستراتيجية لهذه القوة النووية المتفوقة التي تراكمها الصين. إذا استمرت هذه الاتجاهات، فقد تجد الصين نفسها في وضع يمكنها من قطع الروابط بين الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

من دون استراتيجية موازنة تستغل مزاياها التنافسية، تخاطر الولايات المتحدة بفقدان موقعها المتقدم في غرب المحيط الهادئ، والذي سيتآكل أكثر بسبب النظرة العسكرية الضيقة للاندفاع النووي الصيني. وينبغي لواشنطن أن تستغل نقاط قوتها غير المتكافئة وتركز على تنشيط مصداقيتها بين حلفائها، مما يؤدي إلى تفاقم نقاط الضعف المتميزة لدى بكين، وفي نهاية المطاف، ترجيح ميزان التكلفة والفائدة لحملة الإكراه المدعومة نوويًّا من جانب الصين. وبمجرد أن تدرك الولايات المتحدة الدور الدقيق الذي يؤديه البناء النووي الصيني في تعزيز الأجندة الجيوسياسية لبكين، يمكنها أن تغيّر سياساتها الخاصة للحفاظ على الوضع الراهن.

كايل بالزر زميل جين كيركباتريك في معهد أميركان إنتربرايز، يركز على المنافسة بين القوى العظمى، والاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة.

دان بلومنثال زميل أول في معهد أميركان إنتربرايز، يركز على قضايا الأمن في شرق آسيا والعلاقات الصينية الأمريكية.

المقال نشر في Foreign Affairs

أخبار ذات صلة

0 تعليق