قراءة في شخصيات مسرحية «خاتم سليمان» لسمير العريمي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعدّ مسرحية (خاتم سليمان) لسمير العريمي واحدةً من النصوص الإبداعية الشبابية التي شاركت فـي الفعاليات والأنشطة الشبابية بداية الألفـية الجديدة، وقد فاز بها مؤلفها بالمركز الأول فـي فئة النص المسرحي فـي المسابقة الأدبية المحلية عام 2001م، ونُشِرَت فـي كتاب (قطوف من الإبداعات الشبابية) الذي يضم النصوص الفائزة فـي المسابقات والملتقيات الأدبية لعام 2001م، والصادر عن الهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافـية آنذاك.

عرفتُ سمير العريمي قاصًا وكاتبًا مسرحيًا شارك فـي عدد من فعاليات المسرح مقدّمًا نصوصًا مسرحية مختلفة فـي فكرتها وأسلوبها. أما مسرحية (خاتم سليمان) فتقوم على فكرة خيانة الأمانة، والإخلاص للوطن، مركزةً على فكرة البطانة السيئة للحاكم التي تستغل نفوذها استغلالًا سيئًا، وتواجه الناس بالظلم دون أن تقيم أدنى اعتبارٍ لأحد. تُبنى المسرحية فـي خمسة مشاهد مختلفة فـي أمكنتها، وتتعدّد فـيها الشخصيات التي يدور الصراع فـيما بينها؛ لذا فإنّ الصراع يُمثّل هنا قيمة مهمة فـي عملية البناء النصي، وتحريك الأحداث والانتقال بها من موضع إلى آخر.

يأخذنا المشهد الأول فـي المسرحية إلى غرائبية السرد المتمثلة فـي المكان الغرائبي/ الغابة المحرمة، والمتمثلة فـي الشخصيات الغرائبية/ شيخ الجبل. يأخذ المشهد الأول القارئ معه إلى تخيّل أحداثٍ عجائبية ستسير عليها المسرحية وذلك باستقراء أوليّ للمشهد الأول فـي المسرحية؛ إنّ وجود الغابة المحرمة أسفل الجبل، ثم ظهور شيخ الجبل وحواره مع سليمان أتاح للقارئ تكوين الصورة الغرائبية التي قد تتسع فـي ذهن القارئ.

لكن المَشاهد لم تأخذ القارئ إلى تلك العوالم، واكتفى المشهد الأول بتقديم الصورة المتخيلة ثم الانتقال إلى معالجة قضية واقعية. لقد لعب كل من الخاتم وشيخ الجبل والغابة المحرمة دورًا فـي انتقال الأحداث، واستطاع سليمان الذي كان يرى أن العمل أهم من الاتكال على خوارق الخاتم، ورغم ذلك قرر الاحتفاظ بالخاتم ليكون معينًا له فـي الأحداث اللاحقة.

تقوم المسرحية فـي فكرتها وأحداثها على شخصيات مختلفة فـي طبائعها وتفكيرها وسلوكها ومكانتها، نجد فـي المشهد الأول شخصيتي سليمان وشيخ الجبل، والذي يدل الحوار فـيه على التكوين المعرفـي لكل واحدٍ منهما والذي كوّن الحوار فـيه صورة داخلية لكل منهما، الأمر الذي دفع بالأخير للإعجاب بالأول فمنحه الخاتم ليساعده فـي حياته اليومية. يتشكّل الحوار الآتي دالاً على ذلك:

«سليمان: إلى أن تتاح لي فرصة العمل الأفضل فالسماء لا تمطر ذهبًا.. والاحتطاب خير من النوم والكسل.

الشيخ: يا لك من شاب رائع.. تستحق كل خير، خذ هذا الخاتم التقطه ولا تجعله يسقط منك «يقذف بخاتم لامع يشع ضوءًا شديدًا».

سليمان: «يلتقط الخاتم» يا له من خاتم مدهش «يتأمله بشغف» يبدو أنه غالي الثمن يا شيخي

الشيخ: بالفعل إذ بإمكانك أن تطلب منه أمنية محققة.

سليمان: «باستغراب» زدني توضيحًا ماذا تقصد؟

الشيخ: إنه خاتم سحري يمكنه أن يلبي لصاحبه أمنية واحدة فقط مهما كانت.

سليمان: عجبًا خاتم سحري ويلبي أي طلب هل هذا معقول؟».

لكنّ الحوار السابق أعقبه حوار داخلي بين سليمان ونفسه حول الخاتم: «يخاطب نفسه» هيا يا سليمان.. تحرك واعمل وليكن الخاتم دافعًا لك إلى المزيد من الجهد والعطاء لا لحياة الدعة والكسل والترف.. هيا إلى العمل «يحمل فأسه والأخشاب وينطلق مترنمًا فـي سعادة».

تتعدد الشخصيات فـي العمل المسرحي إلى أكثر من عشرين شخصية، يمكن تصنيفها من حيث طبائعها إلى الآتي:

أولا: شخصيات تمثل جانب الحكمة، وتقوم بمساعدة الآخرين، مثل شخصيتي شيخ الجبل وسليمان، وهما شخصيتان مهمتان فـي النص، يقوم عليهما اتساع الأحداث ثم انفراجها، ولعلنا نلحظ أن شخصية شيخ الجبل رغم قلة حضورها إلا أنها عملت على معالجة الشخصيات فـيما بعد وإنهاء الحدث المسرحي بفعل الخاتم، أما سليمان فهو شخصية رئيسة يقوم بدور رئيس فـي الكشف عن المخفـي فـي طبائع الشخصيات الأخرى، كما تلعب شخصية سليمان دور المنقذ الذي يعهد إليه الناس بالإصلاح ومواجهة الظلم.

ثانيًا: شخصيات تمثل الجانب السيادي بعملهم فـي القصر، ومناصبهم العالية فـي الدولة، وتتمثل هذه الشخصيات فـي (الوالي، والجنود، والعسكري، والحاجب، والخازندار، والخفـير الأكبر، وعقيد العسكر، وقائد العسكر، والملثم والخادم). تلعب هذه الشخصيات أدوارًا محورية فـي النص، وتقوم كل شخصية بوظيفتها المحددة، ويظهر أثر الوظيفة على لسان كل شخصية منها؛ فعقيد العسكر وقائدها لا يتحدثان إلا بالقوة والسلطة الممنوحة لهما، أما الخازندار فـيتحدث عن الأموال باستمرار، ويظهر الحاجب كونه متسلطًا ظالمًا يستمد ظلمه من منصبه القريب من الوالي. إنها شخصيات تمارس سلطتها على الفقراء، إذ تسلبهم حقوقهم وتنتهك أموالهم بغير وجه حق، كل ذلك باسم القوة التي لم يستطع الفقراء مواجهتها نظرًا لضعفهم.

ثالثاً: أهل المدينة وهم مسكونون بالضعف والعوز، غير قادرين على مواجهة جند العسكر، تجدهم صامتين يضمرون القهر والألم، ومن هذه الشخصيات: (التاجر، والعجوز، والرجل، والشحاذ، وبائع اللبن).

رابعًا: شخصيات بسيطة، وُجدت فـي الأحداث لتكمل عمل الشخصيات الأخرى وتحدث توازنًا بسيطًا فـي سرد الحكاية، نجد مثلا (زعيم البدو، وشيخ القبيلة) ساهموا فـي انتقال الحكاية من فكرة إلى أخرى بإيجاد قصصٍ يسردونها فـي سياق الأحداث لتتفاعل معها الشخصيات الأخرى.

تعيش الشخصيات السابقة حالة من الصراع المتمثل فـي نتائج تفكيرها وسلوكها ونظام حياتها، مما يجعل القوي يتدخل فـي حياة الفقير مُحدثًا صراعًا قائمًا على رفض الآخر وكراهيته ونبذه. كما يحاول الفقير إبراز صوته فـي محاولةٍ لمواجهة الظلم الواقع عليه فـي غياب الرؤية الحقيقية المتمثلة فـي الوالي الذي لا تصله أصوات أهل القرية المظلومين.

لقد استطاع العريمي رسم صورة جيدة لكل شخصية من الشخصيات، إذ كلُّ شخصية تعبّر فـي سياق الكلام بما يشير إلى ثقافتها وتكوينها المعرفـي، فالشحاذ مثلاً يتكلم بلغة الشارع، وهو الشخصية الوحيدة التي تخرج عن المألوف اللفظي للكلام فـي المسرحية، نجده فـي عير موضع يصيح: «وافقري.. وابوييه.. رقعوني.. الشيمة.. سامحوني.. سامحوني». كما نجد الحاجب يتكلم بلسان السلطة لابساً ثوب الظلم والتعالي على الآخرين محاولاً تقريب نفسه من الحكم الذي يفكر فـي انتزاعه من الوالي. والأمر نفسه يسير فـي رسم صورة أعوانه الآخرين. أما الوالي فإنه يمتاز بالهدوء ومحاولة إحقاق العدل بين الناس وثقته الكبيرة فـي بطانته الأمر الذي غُيِّب معه صورة أهل المدينة الفقراء.

لقد جاء سليمان من خارج المدينة، حاملاً فكرة المواجهة وتخيلات الخاتم، جاء ممتزجًا بين الواقع والمتخيّل، جاء ليرد الحقوق لأهلها، وكأنه الفارس العابر للزمن محملًا بالخوارق وغير المألوف.

إن شخصيات سمير العريمي فـي مسرحية (خاتم سليمان) شخصيات ذات طبائع مختلفة، كل شخصية مسكونة بهدف تحاول الوصول إليه، كما أنها شخصيات رمزية تعبر عن الواقع فـي سردها للأحداث، وصراعها، فالقرية والوالي وأهل القرية وبطانة الوالي كلهم صور رمزية تعبّر عن واقع يتكرر فـي هذه الحياة، لذا لجأ العريمي إلى المزج بين الواقعي وغير الواقعي فـي التعبير عن فكرته. فشخصية سليمان وقصة الخاتم تستمد مرجعيتها الحكيمة فـي حل الخلافات بين الناس من سيرة النبي سليمان، هو تقاطع ربما أراد له الكاتب أن يتقارب بين الاسم سليمان والحكمة والهدوء فـي صفاتها الرمزية.

كما أن طريقة موت حاشية الوالي فـي النص تقاطعت أيضًا مع نهاية الظلمة فـي التاريخ كفرعون وهامان وغيرهما الذين أهلكهم طمعهم وجشعهم فكانت نهايتهم الخسف بتلك الطريقة.

لعل سمير العريمي أدرك أنّ هناك علاقة مستمرة بين شخصيات التاريخ وبين أحداث الواقع، فاستعادها برمزية مقصودة فـي هيئة شخصيات متكررة ترمز إلى الواقع بكل جبروته وطغيانه.

أخبار ذات صلة

0 تعليق