الكاتبة العُمانية إيمان فضل: الكتابة للطفل أكثر أصناف الأدب مسؤولية تقع على عاتق الكاتب - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

"العُمانية": ترى الكاتبة العُمانية إيمان فضل المتخصّصة في أدب الطفل في سياق حديثها في حوار مع وكالة الأنباء العُمانية أن المحفّز الأول لها للكتابة للطفل هي نظرة الدهشة وابتسامة الفرح على وجوه الأطفال، مدركة أن الكتابة للطفل خاصة ليست أسهل دروب الكتابة ولا أقلّها تحدّيًا لكنها من أكثر أصناف الأدب مسؤولية تقع على عاتق الكاتب.

وتشير "فضل" إلى ماهية هذا الأدب في مسيرتها باعتبارها كاتبة حيث الشغف والاهتمام بتفاصيله، مرورا بالمحفزات أيضًا. فأدب الطفل هو أحبّ أنواع الأدب لها، وهو بداية تعرفها على عالم الأدب والكتابة، وتتذكر جيدًا أن أول كتاب قرأته بتوصية من شقيقها الأكبر غسان قصة "يهودي في بلاط النعمان" كتبه محمد المنسي قنديل، وهو كتاب من سلسلة أيام عربية أصدرتها مجلة ماجد في مقدمته، قصة يوم ذي قار الشهير عند العرب بأسلوب قصصي جميل أوقعها في حب الكتب ومازالت تحتفظ به إلى الآن.

وتوضح أن أدب الطفل صنف أدبي به الكثير من الحساسية، فكل كلمة وكل قصة تُشارك في بناء شخصية الطفل القارئ وتُشارك في تكوين صورته عن الحياة وتكون منظمة القيم لديه، وقد اتجهت للكتابة للطفل عندما أرادت أخذ الطفل العُماني في رحلات أدبية من واقعة وتعكس مجتمعه وشخصيته مثل قصة "أحمد يصنع الحلوى"، فوجدت في الكتابة للطفل بلغته ومشاكساته الكثير من التحدّي لإدخال المرح والفكاهة مع قيم عميقة بثتها في الطفل خلال القصة، فالمحفّز الأول لها للكتابة للطفل هي نظرة الدهشة وابتسامة الفرح على وجوه الأطفال، مدركة أن الكتابة للطفل خاصة ليست أسهل دروب الكتابة ولا أقلها، لكنها من أكثر أصناف الأدب مسؤولية تقع على عاتق الكاتب، يحفزها التنوع والثراء الثقافي في سلطنة عُمان، فمن مسندم إلى أقصى ظفار هناك ثراء وتنوع يثير مخيلة الكاتب، وأحبت تقديم هذا التنوع للطفل العُماني والعربي، وكان حصول نصّها "أحمد يصنع الحلوى" على المركز الأول بوصفه أفضل نص بجائزة المنتدى الأدبي، حافزًا لها للمزيد من الاشتغال الجديّ في التدرب أكثر وأكثر في هذا المجال عن طريق المشاركة في حلقات ودورات متخصصة بهذا النوع الأدبي.

وتصف الكاتبة "فضل" التواصل مع أدب الطفل بشكل خاص من قبل المشتغلين عليه في سلطنة عُمان والمساحات من الابتكار والإبداع في هذا المجال خاصة في ظل الخيارات المتاحة للطفل بما فيها التقنية والرقمية. وتقول إنّ أدب الطفل العُماني أدب فاخر ومميز، وقد شهدت بذلك جوائز عربية، لذلك أحيي كل المشتغلين على أدب الطفل في عُمان، نعم طريقنا طويل ولكن الخطى ثابتة ورزينة وواثقة، والتحدي التقني هو تحدٍّ كبير للمُربي بشكل عام عالميًّا، فالطفل في سن معينة يريد أن يفرح ويضحك ويريد أن يرى ما يسلّيه، فإذا لم يجد مُبتغاه في كتاب سيبحث عنه في مكان آخر أسهل وهو التقنية، والأمر مُشابه للناشئة بل وربّما أشدّ خطورة، مقطع على إحدى قنوات التواصل تلامس شخصيته واهتماماته أكثر من الكتاب، لذلك على المشتغلين في أدب الطفل مراعاة متطلبات القارئ في كل فئة عمرية، وتقدم ما يلامسه ويدعوه لقلب صفحة الكتاب بسعادة.

وحول إصداراتها المتعدّدة في هذا المجال بما فيها "أحمد يصنع الحلوى" و"عنكبوت الغار"، تقربّنا الكاتبة من ماهية هذه الإصدارات، مع وصفها لإصداراتها "سعيد في الحي الجدي" و "مكوك في الفضاء "، حيث تقنيات الكتابة فيها ووقع التدرج في مختلف هذه الإصدارات وهي تقترب بأفكارها من مخيّلة الطّفل وتقول: إصدار "أحمد يصنع الحلوى" هو أول كتاب لها في أدب الطفل وقد أصدره المنتدى الأدبي، هو يحكي قصة أحمد طفل عُماني يُريد أن يُقدّم هدية لجدّه، ولأن العيد حان، فماذا سيقدم هذا الطفل لجده؟ يدخل القارئ في هذه القصة مع أحمد بمغامرة إعادة فتح مصنع الجد للحلوى العُمانية، وتمر القصة بأحداث طريقة وشائقة وتقدّم للطفل مكوّنات وخطوات صناعة الحلوى، أما قصة "عنكبوت الغار" فهي قصة الشوق، حيث افتتحت القصة بالحديث عن الشوق لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاعر الشوق للقاء المصطفى التي تقدمها للطفل بشكل بسيط وعفوي. القصة فيها قيم مُهمة مثل قيمة نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والدين وقيمة عدم الاستخفاف بالأعمال الصغيرة، فالنية الصادقة تضاعف قوة العمل.

وتضيف إنه من واقع عشته إثر انتقال لحي جديد كتبت كتاب "سعيد في الحي الجديد"، وهي قصة طفل انتقل إلى حي جديد لا يَعرف فيه أحد، ويحاول استكشاف الحي الذي يسكنه للتعرف على الأطفال ويكوّن صداقات جديدة تبيّن أهمية الجار في المجتمع العُماني فأحبّت تقديم الفكرة من منطلق الاستكشاف وأدواته.

وأخذت الأطفال لـ"مكوك الفضاء" في قصة بيئيّة، مستخدمة هرم ماسلو للاحتياجات، وعملت على دراسة ما يدفع البشر والحيوانات إلى الهِجرة! ثم قررت الحديث على لسان الحيوانات لإبراز قضايا البيئة من تلوث الهواء وأزمة البلاستيك في البحار وقلة الطعام، وهذا المستوى مناسب جدًا للأطفال الصغار، أما الأطفال الأكبر سنًا كاليافعين فيمكن للمربي من خلال القصة تقديم ومناقشة أسباب الهجرة سواء كانت شرعية أو غير شرعية لفقدان الاحتياجات الأساسية للفرد، كما ذكر هرم ماسلوا، مما يجعل القصة تحتمل مستويين للقراءة يعتمد على ثقافة وسنّ القارئ، واستخدمت في قصة مكوك الفضاء تقنية الصفحة الصامتة، وهي صفحة خالية من الكلمات، يستطيع القارئ من خلال قراءة الصورة فهم الأحداث، وتساعد هذه التقنية على تنمية الذكاء البصري للطفل وتوسيع الخيال.

وحول الفرق بين الكتابة للطفل والكتابة لليافعين والكبار، تقول الكاتبة إيمان إنه عندما أنتَ تَكتب للطفل فأنتَ تكتب لقارئ مُحبّ للحياة، مرحٍ ومشاكس على الأغلب بكلمات بسيطة، عليك أن تأسر القارئ الصغير المالّ والمشغول باكتشاف العالم من حوله، وأنا باعتباري كاتبة أدب طفل يهمني إقناع الطفل بأنه يقلّب الصفحة ليتابع القصة لا أن يترك الكتاب، فلا مجال لنص مُترهّل للطفل بل يجب على الكاتب مراعاة قِصر فترات الانتباه وكثرة المشتّتات حول الطفل.

كما تطرقت الكاتبة "فضل" إلى المسابقات وخدمتها جوانب الإبداع في الكتابة الأدبية أيضا وأشارت إلى المسابقات تسهم في التركيز على نتاج مناسب لذائقة لجنة تحكيم، وقد يختلف البعض مع ذائقة لجنة عن لجنة أخرى وقد يتفق، وما لا نختلف عليه هو أن الجوائز تُسهم في تسويق الكتب الفائزة بشكل كبير.

والمعتزلات الأدبية أجدها أفضل ما يخدم جوانب الإبداع في الكتابة، وقد كانت تجربتي في معتزلات الكتاب صيف 2023 بالسعودية بمنطقة الجوف، أعطتني فرصة ذهبية لمنح الكتابة الإبداعية حقها من التركيز، ووجدت في مشاركة زميلات المعتزل حلقات النقاش إثراء لتجاربنا، نقلنا فيها خبرات وناقشنا تحديات مُشتركة، فكان المعتزل فرصة حقيقية لدعم كل كاتب مشارك.

وتحدثت "فضل" عن الهوية الثقافية في سلطنة عُمان وانعكاسها على ما تقدمه بوصفها كاتبة في أعمالها الأدبية الخاصة بالطفل، والجديد والمغاير فيها وتقول: يبقى الكاتب ابن وطنه وابن بيئته، والاغتراب وإن كان صعبًا للفرد فهو أشد صعوبة للكاتب، ولابد لهوية الكاتب من أن تظهر بلمحات إن لم تظهر كليًّا في كتاباته، ووضح أمثلة تجلي الهوية في كتاباتي المنشورة حتى الآن، فقصة "أحمد يصنع الحلوى" ركزت على إظهار الطفل العُماني بطيبة قلبه ومشاكسته أيضًا، وعكست رسومات الرسامة العُمانية دلال السيوطي ببراعة ملامح الأسرة العُمانية وتفاصيل صناعة الحلوى.

كما ركزت قصة "سعيد في الحي الجديد" على اعتزاز العُماني بعلاقته مع جاره، وذلك التقدير الكبير الذي يكنّه العُماني لحق الجوار. وسيرى الطفل القارئ نفسه وهو يحاول صناعة الحلوى مع أحمد ويساعد سعيد في اكتشاف الحي الجديد بطريقة غير مباشرة في النصوص تظهر الهوية وتجذب القارئ.

وتُشير "فضل" في حديثها عن الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالإبداع والابتكار إلى أن الذكاء الاصطناعي كأي ابتكار آخر سكين ذو حدين، يسهل الكثير من الأعمال ويختصر وقتًا لا بأس به، لكن تبقى جودة إنتاجه خاضعه لما يغذيه من أفكار وتوجّهات، فكلما كانت هذه التوجهات والأفكار أكثر ثراء وأكثر عمقا كان الإنتاج مميزًا، مما يؤكد على أهمية وجود العامل البشري والفِكر البشري في نتاج الذكاء الصناعي.

وسينتج لك الذكاء الاصطناعي قصة أطفال خلال ثوانٍ معدودة، لكن هل ترتقي هذه القصة لذائقة الطفل والمُربي المتذوق للأدب، عندئذ سيكون لزامًا أن يُغذَّى الذكاء الاصطناعي بأفكار إبداعية وتوجّهات شخص متخصص لنحصل على الجودة المطلوبة ولا أرى الذكاء الاصطناعي مُهدّدًا للإبداع البشري بكل اختصار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق