ترجمة: بدر بن خميس الظفري
إن انهيار نظام بشار الأسد لا ينهي عقودا من حكم عائلة الأسد في سوريا فحسب، بل إنه يعد أيضا بإعادة تنظيم القوى في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
إن الوضع على الأرض لا يزال غامضا، خاصة فيما يتصل بتساؤلات حول ما إذا كان المعارضون قادرين على تعزيز سيطرتهم، وكيف سيديرون الحكم.
ومع ظهور واقع جديد في سوريا، فإن إعادة ترتيب ديناميكيات السيطرة الإقليمية بدأت بالفعل في التبلور، وهو ما يقلل بشكل حاد من نفوذ إيران، ويضع تركيا في موقف يسمح لها بالاضطلاع بدور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الأسد.
خلال الحرب الأهلية السورية التي دامت قرابة 14 عاما، شاركت ما لا يقل عن 6 جيوش أجنبية في الصراع، وهو ما يؤكد على المخاطر الجيوستراتيجية الكبرى التي تواجهها المنطقة. ومن بين هذه الجيوش، تبرز إيران باستثمارها غير المقيد في دعم الأسد، حيث أفادت التقارير أنها أنفقت مليارات الدولارات لدعم النظام وحشدت عشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات بالوكالة. بالنسبة لطهران، كانت سوريا بمثابة الطليعة في استراتيجيتها الدفاعية الأمامية، حيث كانت تحمي مصالحها في المنطقة من خلال إبراز قوتها ونفوذها.
إن سقوط الأسد يقوض هذا النفوذ، ويحرم طهران من حليف عربي رئيسي ويقطع الجسر البري إلى حليفها اللبناني، حزب الله. ومن غير المرجح أن تتعافى إيران، التي انتُزِعَت من موقعها الاستراتيجي الذي دام عقودًا من الزمان في سوريا، من هذه النكسة الكبيرة في المستقبل المنظور.
وعلى النقيض من ذلك، تستعد تركيا لرؤية نفوذها يتوسع. إن علاقات أنقرة مع هيئة تحرير الشام التي قادت الهجوم الذي أطاح بالنظام، معقدة. لا تتعاون تركيا علنًا مع هيئة تحرير الشام لكنها تحافظ على خطوط اتصال ونفوذ هادئين. ومن المرجح أن تصبح أنقرة وسيطا لهيئة تحرير الشام مع المجتمع الدولي، نظرًا للطبيعة المحظورة للمجموعة، ما سيعمق نفوذها في سوريا، حيث تحتفظ بالفعل بمنطقة عازلة بحكم الأمر الواقع عبر جزء كبير من الشمال. إن السعودية سوف تستخدم هذا الموقف الجديد للسيطرة على السلطة الكردية في سوريا، ومحاولة البدء في تسهيل عودة نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وهو مصدر للتوتر الداخلي المتزايد.
كما أن دول الخليج الغنية سوف تستفيد من هذا. إن سقوط الأسد، الذي ينحدر من الأقلية العلوية، يمثل استعادة السلطة السنية في قلب الشرق الأوسط، وقد يؤدي إلى أن تصبح سوريا حليفا خليجيا جديدا. ولدى دول الخليج الفرصة لاستخدام مواردها الكبيرة لتمويل إعادة إعمار سوريا، والمساعدة في تشكيل مسار البلاد مع تعزيز رؤيتها للنمو الإقليمي والتكامل الاقتصادي. وعلى نحو مماثل، فإن خروج الأسد قد يفتح الطريق لمعالجة التهديدات للأمن الإقليمي الناجمة عن التداعيات المزعزعة للاستقرار والصراع المتفاقم في سوريا، مثل الاتجار بالمخدرات والإرهاب وتهريب الأسلحة. وفي ظل الحذر من التطرف، قد تسعى دول الخليج أيضا إلى تهدئة العناصر الأكثر تطرفا داخل مجموعة هيئة تحرير الشام.
بالنسبة لإسرائيل، فإن الواقع الجديد في سوريا هو نعمة ونقمة في نفس الوقت. إن تحييد التهديد الإيراني وحزب الله في سوريا ومنع قدرة إيران على إعادة تسليح حزب الله بسهولة في المستقبل يشكلان انتصارين مهمين لإسرائيل. ولكن احتمالات اكتساب فرع سابق لتنظيم القاعدة للسلطة في دمشق مقلقة، على أقل تقدير، وستسعى إسرائيل إلى حماية نفسها من امتداد هذه التهديدات إلى سوريا إذا ما شهدت فترة من الفوضى المتزايدة. وإدراكا منها لهذه التهديدات المحتملة، تتخذ إسرائيل بالفعل تدابير لتعزيز أمنها، فقد نشرت قوات في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان وتواصل شن ضربات ضد أهداف استراتيجية في سوريا، بما في ذلك ضد مجمع أمني ومركز أبحاث حكومي في دمشق.
في لبنان المجاور، سوف تشكل نبرة انتقال ما بعد الأسد لحظة حاسمة، إما أن تمنح لبنان فوزا يحتاج إليه بشدة، أو تغرق البلاد المضطربة في أزمة أعمق. وإذا سارت عملية الانتقال في سوريا بسلاسة إلى حد ما، فإن التأثير الإيجابي على لبنان قد يكون كبيرا. فالهدوء النسبي في سوريا من شأنه أن يسمح لأكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان بالعودة، ما يوفر للبلاد المساحة الملحة للتعافي وإعادة البناء في أعقاب صراعها الذي دام عاما مع إسرائيل. وفي نهاية المطاف، ومع بدء إعادة الإعمار في سوريا، قد تصبح مصدرا للوظائف وتعزيزا للاقتصاد اللبناني الراكد. ومن ناحية أخرى، إذا كانت الجماعات المتمردة غير قادرة على تعزيز سيطرتها، وانزلقت بدلاً من ذلك إلى الاقتتال الداخلي، فقد يشهد لبنان تدفقات جديدة من اللاجئين من شأنها أن تثير أزمة أعمق وحتى اندلاع العنف المدني على نطاق واسع.
ونظرا للأهمية الاستراتيجية لسوريا، فإن انهيار النظام له آثار على ديناميكيات القوة العالمية. في حين لا يزال موقف روسيا بعد الأسد في سوريا غير واضح، وخاصة ما إذا كانت ستحتفظ بالسيطرة على قواعدها الجوية والبحرية المهمة استراتيجيا، فإن انهيار حليف روسيا وجه ضربة قوية للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط.
ذات يوم وصف الاستراتيجيون الروس سوريا بأنها أول نجاح لروسيا بعد الاتحاد السوفييتي، إلا أن الهزيمة المدوية للأسد ستقوض بلا شك هيبة روسيا في الشرق الأوسط وخارجه. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سوريا ما بعد الأسد تشكل فرصا وتحديات محتملة. من المؤكد أن سقوط زعيم كان ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وزوال النفوذ الإيراني والروسي يمثل فوزًا كبيرًا للولايات المتحدة. ولكن مع وجود فرع سابق لتنظيم القاعدة وجماعة مصنفة إرهابية في وضع يجعلها القوة الأساسية، ستواجه الولايات المتحدة تحديات شائكة حول كيفية التعامل وضمان أسوأ النتائج. سواء كانت هيئة تحرير الشام قد تغيرت حقًا أم لا، كما تدعي، فسوف يكون ذلك محوريًا لتحديد خيارات أمريكا. في الوقت نفسه، يلوح في الأفق احتمال عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الظهور كتهديد كبير للأمن القومي الأمريكي.
مع انحسار النشوة التي أعقبت سقوط الأسد أمام الواقع المعقد في سوريا، بدأت تحديات جديدة بالظهور للتو في البلاد. إن الفراغ في السلطة، والاقتتال الداخلي، والتهديدات التي تتعرض لها الأقليات العديدة في سوريا من الممكن أن تؤدي إلى تجدد الفوضى والعنف. ومع ذلك، قد تعمل سوريا أيضا على تحويل نفسها إلى دولة ناشئة وشاملة تعكس تنوع فسيفسائها من الطوائف الدينية والجماعات العرقية.
وفي الحالتين، فإن سقوط الأسد، وظهور سوريا الجديدة من شأنه أن يطلق العنان لديناميكيات قوة جديدة في جميع أنحاء المنطقة، ما يوجد رابحين وخاسرين سيحددون معالم النظام الناشئ في الشرق الأوسط.
منى يعقوبيان نائبة رئيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد السلام الأمريكي.
0 تعليق