ما حدث في سوريا قبل أيام، فضلا عن كونه استمرارًا -بصورة من الصور- لإحياء مسار الثورة السورية، إلا أنه كذلك أتى في سياق وقائع وأحداث جيوسياسية عبر ملفات متشابكة لمنطقة الشرق الأوسط من ناحية عامة، وللمشرق العربي على نحو خاص. ذلك أن حدث طوفان الأقصى الذي جاء بمثابة زلزال في المنطقة كان من الواضح جدًا أنه حدث سيكون له ما بعده في تغيير بعض المصائر الجيوسياسية للمنطقة.
وإذا كانت المؤثرات الخارجية التي جعلت الحدث السوري الكبير يطفو على واجهة الأحداث؛ فإن ذلك بالضرورة سيرسم آثاره على نتائج ومصائر المستقبل السياسي لهذا البلد. بحيث يمكننا القول: إن ثمة مصيرًا للانتقال السياسي في سوريا سوف يرسم على شاكلة قد تكون شبيهة ببعض مصائر حراك الربيع العربي في أكثر من منطقة؛ نظرًا لأن حراك الثورة السورية تزامن في سياق ذلك الربيع العاصف، ولكن، في الوقت ذاته، ثمة سياق سوري خاص يرتبط عضويًا بالكثير من الخصائص التي تميز الوضع في سوريا عن غيره من البلدان التي تحركت فيها رياح الربيع العربي.
الوضع في سوريا أكثر تعقيدًا. فسوريا التي تعرض فيها الشعب لتجربة قاسية جثمت على صدره لأكثر من نصف قرن، سيكون من الواضح جدا (عطفا على التركيب والتعقيد الذي يميز المكونات السورية الإثنية والطائفية) أن آثارًا خطيرة ستترك طابعها السلبي لتلك التجربة وما خلفته من تشوهات في هوية الاجتماع السياسي الحديث للسوريين.
فغياب التجريب السياسي للمكونات السورية واختفائه قسرًا لأكثر من 50 عامًا على وقع تلك التجربة القاسية سيلقي بظلاله في كثير من التعبيرات التي سيشهدها المستقبل السياسي للسوريين، لا سيما أن المعارضة السياسية التي نشطت خلال الثورة عبر مسار للعنف أراده النظام، وعبر شعارات بعضها ذو طابع احتجاجي اثني على خلفية الظلم والتغييب المتأثر بالجرعات الأيدلوجية العروبية للنظام البعثي، كحال الوضع الكردي السوري؛ كل ذلك يلقي بالكثير من الغموض على مصائر الانتقال السياسي التي يمكن أن تشهده سوريا.
لا أحد في المكونات السياسية السورية يمكنه أن يتنبأ اليوم بمستقبل واضح لمصائر الانتقال المحتمل، لكن من الواضح تماما على ضوء الوقائع الحاضرة والمعادلات الجيوسياسية التي اكتنفت الوضع السوري الذي حدث كزلزال فاجأ الجميع، أن ثمة مخاطر وآمالا ستتحرك مؤثراتها على وقع التحولات التي سترسمها قوى إقليمية ودولية مؤثرة، كان لتفاعلها الجيوسياسي في الأساس أثر كبير على نتائج ضرب إسرائيل المميت (ومن ورائها الولايات المتحدة) للنفوذ الإيراني في غزة ولبنان وسوريا، فضلا عن اهتزاز النفوذ الروسي في سوريا جرّاء التأثير الأورو-أمريكي عليه في الحرب الأوكرانية.
وضوح العامل الخارجي في حدث الزلزال السوري لا ينفي التفاعل والاستجابة التي عبرت عنها مكونات المعارضة السورية فور حدوث تلك المتغيرات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يجعلنا نربط الكثير من وقائع التحولات السياسية في الانتقال السوري المرتقب بالمؤثرات الخارجية الإقليمية والدولية التي جعلت الحدث ممكنا.
هل سيعني هذا؛ أن ثمة ضبطًا دوليًا وإقليميًا محتملًا سيكتنف معادلة الانتقال السياسي في سوريا ويجعله انتقالًا مصممًا ومرسومًا على وقع نوايا الأقوياء في الجوار والعالم (تركيا- إسرائيل- أمريكا) وبالتالي يجعله انتقالًا مغايرًا للمصائر الجيوسياسية التي اكتنفت تجارب الربيع العربي -على نحو ما- وإن كان، والحال هذه، سيكون انتقالًا مأزومًا وخاضعًا للتوافقات في مصائره بما يدرجه في خانة أشبه بطبيعة الوضع السياسي «الديمقراطي» في لبنان، أم أن التناقضات الكامنة في الوضع السوري ستجعل ذلك متعذرًا وتذهب بالاجتماع السياسي للسوريين إلى الفوضى، لا سمح الله، لاسيما وأن النظام البعثي قد راكم الكثير من الأسباب التي يمكن أن تفجر التناقضات البينية في مكونات الشعب السوري؟
كما أن الوضع الغامض الذي يجعل العالم حذرًا من تصريحات رئيس سلطة الأمر الواقع في سوريا -أحمد الشرع- نظرًا لخلفيته الإسلاموية واختياره للشخصيات التي أوكل إليها، حتى الآن، قيادة الحكومة السورية المؤقتة، يضع الكثير من علامات الاستفهام حيال مستقبل الانتقال السياسي في سوريا.
على كل حال، ستتكشف مصائر الانتقال السياسي في سوريا عن غموض مرشح للكثير من الاحتمالات السياسية ونقائضها، على نحو لا يجعل المراقب متفائلا حيال ما يمكن أن تتمخض عنه نتائج الوضع في سوريا !
0 تعليق