الجمهور ذلك الغائب الأبدي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كانت علاقة المثقف العربي بالجمهور دائما ملتبسة، ومرت بالكثير من المراحل خلال الحقب المختلفة، خلال ما يطلق عليه عصر النهضة العربية، ثم مرحلة الاستقلال، وليس نهاية بزمن تراجع فيه دور المثقف التقليدي لتحل مكانه نخب جديدة لم تتضح معالمها بعد.
في مرحلة عصر النهضة العربي وأحياناً يطلق عليه عصر التنوير أو الفترة الليبرالية، كان المثقف منتشراً بين الجمهور برغم تراجع نسب التعليم، هذا الانتشار لم يتحقق عبر الكتاب أو الصحافة أو المجلات الثقافية وحسب، ولكن عبر العديد من العناصر الأخرى مثل مناهج التعليم، والسينما التي كانت تعتمد على نصوص أدبية، والإذاعة التي كانت تجري حوارات مع الكثير من المثقفين آنذاك. كان هناك طلب مجتمعي على الثقافة في حاجة إلى مزيد من الدراسات التي توضح لماذا كان يزيد الإقبال على الثقافة في وقت ما، ولماذا يخفت في وقت آخر؟ هل تعود المسألة إلى قدرة وسائل الاتصال الجماهيرية على الترويج للمثقف؟ هل كانت المجتمعات العربية تتطلع إلى التقدم والتنوير أكثر من الآن؟ هل كانت الموضوعات التي يعالجها المثقفون تلبي احتياجات الناس وتتماس مع أحلامهم؟ الأمر الذي أدى إلى تفاعل الجمهور مع هذه النخب.
بعد مرحلة الاستقلال، كان الوصول بالثقافة إلى الجميع، وليس إلى جمهورها المستهدف فقط، مسألة انخرط فيها معظم مثقفينا، وفي هذا الإطار دارت نقاشات حول طبيعة الثقافة التي يجب تقديمها إلى الجمهور، وهل نبسط الثقافة النخبوية؟ أم نترك الأمور لذكاء الجمهور وقدرته على الفهم وبالتالي يرتفع هو إلى مستويات ثقافية لا تبدو بسيطة في الظاهر؟.
مع ختام القرن العشرين وإعلان البعض نهاية المثقف وموت الكاتب، ونقد مرير قدمه بعض مفكرينا للمثقف وخطاباته وأدواره، بات الخصام حاداً وشديداً بين المثقف والجمهور، الأول يعيش في برج عال، يكتب ويبحث في مختبرات منعزلة ، بل ويتحسس من البشر، أما الجمهور فهو يحذر من المثقفين ولا يثق فيهم.
الآن نحن نعيش زمن الجمهور بامتياز، وإن كانت ملامح هذا الجمهور في المراحل السابقة غائمة وضبابية ولا يمكن تحديدها إلا من خلال اجتهادات نظرية، فإن تلك الملامح لا تزال عصية على التحديد والفهم حتى الآن، فإذا كان السؤال في الماضي لماذا يقبل القراء على أعمال هذا الكاتب من دون غيره؟ فإنه لا يزال هو نفسه مع تغيير الصيغة لماذا يقبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي على هذا المؤثر دون غيره؟ ولماذا يحقق هذا الحدث أو ذاك كل هذه الملايين من المتابعات؟.
الواقع أن الجمهور، وخاصة في الثقافة العربية، مسألة معقدة ومحيرة، وحينما نتحدث عنه فإننا نتكلم دائماً بضمير الغائب الذي لا يحضر أبداً، وذلك لعدم وجود مراكز دراسات تبحث في شرائح الجمهور وسماته المجتمعية، وتفضيلاته ورغباته وآرائه في ما يقدم له؟ وفي ذلك العصر الذي يتسم بالتسارع اللحظي ، هل نحن أمام جمهور يتسم بالثبات؟ وماذا لو قرر هذا الجمهور فجأة تغيير اختياراته وتخلى عن تلك المواقع؟.

أخبار ذات صلة

0 تعليق