الثقافة ومؤشر طاقة الأمم - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ما الذي يكون قد حدث حتى تفقد الفنون، بالجملة أو بالمفرّق، أدوارها؟ هذا أيسر وأحوط من قولك: ما هي الآليات التي تجعلها عزلاء، وتجرّدها من الفعل، ففي هذه الحالة نقضي بأن الآليات لا تتسنّى بغير فعل فاعل. هذا يتطلب البحث والتنقيب عن الفاعل ونائب الفاعل، والظروف التي مهّدت الجوّ للمفعولية.
قد يكون قاسياً، الحديث عن أن الأمة كانت في الكثير من محن القرن العشرين، حيّة الضمير، متوهجة الإحساس بالمسؤولية، سريعة ردّ الفعل والاستجابة للتحدّي، متضامنةً متعاضدةً متكاتفةً، وكانت الفنون متجاوبةً مترافدةً مترادفةً. يقيناً، الأمر بديهي، لأننا لا نستطيع تصوّر حركة شاملة على الخريطة، تكون مكوّنات الثقافة هي الغائبة المنعزلة التي عزلوها، المنبتّة عن السرب. بالمناسبة: هيربرت فون كارايان، القائد الشهير لأوركسترا فيلهارمونيك برلين، له مقولة أعجوبة. سئل: ما الذي تفعله عند قيادة الفرقة؟ قال: «لا شيء، أنا في الأوركسترا مثل ذلك الطائر الذي يقود سرباً عظيماً، يميل بجناحه، فيميل السرب كله معه حيث يميل». الثقافة الحيويّة الرائدة بمكوّناتها في أمّتها، هكذا تتجلّى. يقول القلم: إن حركة الثقافة، تشبه أمواج البحر. هي ليست كل البحر، لكنها نبضه. إنها نبض الحركة ونبض السكون. هي بيان البحر في شتى لغات تعبيره، مائجاً هائجاً، حالماً ساهماً.
لا تقل شيئاً، لا داعي إلى الكمد والنكد. أراك تتمتم وتهمهم، يريد لسانك أن يعجل بأن الأمّة العربية اليوم، ومنذ مطلع القرن الحالي، وحتى قبل ذلك، لا تنطبق عليها الصورة التي رسمها فون كارايان، ولا مشهد طيف ألوان انفعالات الموج، ولا حتى رومانسية الأمواج في «شمس الأصيل»: «والموجة تجري ورا الموجة.. عايزة تطولها.. تضمّها وتشتكي حالها.. من بعد ما طال السفر». ذلك كان لمّا كانت لشعوب الخريطة أيام وأحلام. أحد الساخرين ادّعى، والعهدة عليه، أن المنظمة العربية الأمّ، تمثلت بقول أبي الطيب: «وشكيّتي فقْدُ السقام لأنه.. قد كان لمّا كان لي أعضاءُ». هذا محض افتراء، فالأعضاء في مواقعهم كالجبال الراسيات. بتعبير امرئ القيس: «وإني مقيمٌ ما أقام عسيبُ».
ذلك الاستدلال كالنهار لا يحتاج إلى دليل. حين يخمد فؤاد البحر، تخمل جذوة عنفوان الموج. عندما كانت الأمّة متوثبةً متأهبةً، كانت الثقافة ومكوّناتها متوقدةً متجددةً. اليوم، «تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحِلُ»، وما دام بحر الأمّة يسوده السكون والركون، فما الذي يستفزّ أمواج الثقافة حتى تتلاطم؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشعارية: عندما ترى الثقافة في آخر صفوف الحضور فاعلم أن مؤشر طاقة الأمّة صار أحمر. إعادة الشحن، لا تعني المشاحنات.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق