لا يزال قطاع غزة، وهو على مشارف 2025، يواجه حرباً إسرائيلية مدمرة تأكل الأخضر واليابس وتقتل أبناءه بلا حسيب أو رقيب، حيث باتت ضحاياه في عرف العالم مجرد أرقام، إذ يُقتل العشرات يومياً وتُمسح عائلات من السجل المدني من دون أن يأبه أحد، بل إن ذلك أصبح على هامش النشرات الإخبارية، وكأن شيئاً لم يكن.
غزة، البقعة الصغيرة جداً من العالم، وبأعلى كثافة سكانية، تواجه أعتى الأسلحة الغربية بأيدٍ إسرائيلية، وكأنها دولة عظمى لا بد من إخضاعها وإنهائها، كي لا تشكل خطراً على هذا «العالم المتحضر»، الذي لا يكترث بإبادة عشرات آلاف الأطفال والنساء في سبيل أمن إسرائيل.
أكثر من 14 شهراً ولا تزال آلة الحرب الإسرائيلية تبطش وتقتل وتدمر وتحيل مدناً إلى ركام، كما يحدث في شمال غزة، حيث الإبادة تُجرى على قدم وساق، وفق العديد من المنظمات الحقوقية التي وصفت الأمر هناك بالمأساة، خصوصاً مع تعمد الجيش الإسرائيلي تدمير البنى التحتية، كالمستشفيات، عدوه الأول، والمرافق الخدمية، والمدارس، والطرقات، والمباني، وكل ما يتنفس.
باتت غزة أرضاً لا يمكن العيش فيها، وسكانها يواجهون الموت كل يوم، إن لم يكن بالقنابل، فبالجوع والمرض وقلة أسباب الحياة، في حين أن الهدنة لا تزال تراوح مكانها مع إصرار نتنياهو على استمرار الحرب ليقضي على ما تبقى من القطاع، الذي حوصر قبل الحرب 17 عاماً، وكان الناس فيه أساساً يواجهون خطر الجوع.
الهدنة المأمولة هي الفرصة الأخيرة قبل انهيار الحالة الإنسانية إلى غير رجعة في غزة، لكن الشروط الإسرائيلية غير المنتهية، تشكل عصا في دولاب أي حل، إذ ما يشغل فكر إسرائيل هو أسراها فقط مع استمرار الحرب ومن دون انسحاب، وبتقطير المساعدات، أي أنها لا تكتفي بإبادة 55 ألف فلسطيني بين ضحية ومفقود، وتدمير 90% من القطاع، بل تريد الاحتلال والاستيطان، وتدمير المدمر من جديد، لذا فإن ما يحصل ليست حرباً بالمعنى التقليدي، فالحرب بين جيشين أو قوى متكافئة، وما يحدث في غزة قتل ممنهج كهواية يمارسها اليمين الإسرائيلي مستخدماً شعارات دينية لإبادة الأعداء بشراً وشجراً وحجراً وحتى الحيوانات، فالحاصل ليس آثاراً جانبية لأي معركة، بل هو أمر متعمد ومخطط له.
لا حل أمام هذا كله إلا بدعم صمود الفلسطينيين، وإغاثتهم بكل ما يمكن، ومحاولة ممارسة الضغوط القصوى على هذه الحكومة المتطرفة للإذعان لوقف المقتلة، لأنه بغير ذلك ستصبح غزة أثراً بعد عين، كما أن إسرائيل المنتشية الآن بغرور القوة، لن تتوقف عن التصعيد في المنطقة كلها، بل إنها لم تتوان عن تهديد دول أخرى بحجة حفظ أمنها، وكما حصل بتدمير لبنان ومحاصرة الضفة الغربية، ها هي تعمد إلى احتلال أجزاء من سوريا وتهديد سكانها. فإلى متى تبقى حكومة نتنياهو بلا حساب وفوق القانون؟.. سؤال برسم المجتمع الدولي.
0 تعليق