ما من متابع ثقافي عربي موضوعي وعملي في قراءته لأهم وأبرز معطيات عام ٢٠٢٤ الثقافية ومحطّاته التاريخية بالفعل، إلّا ويشير مباشرة إلى إنجاز «المعجم التاريخي للغة العربية» في هذا العام الأكثر سطوعاً في تاريخ الثقافتين العربية والإسلامية، وأيضاً في تاريخ ثقافة اللغة العربية نفسها التي كسبت استمرارية بلاغتها وفصاحتها المميّزة بين لغات العالم كله بفضل المعجم، العلامة الكبرى في عام ٢٠٢٤.
«المعجم التاريخي للغة العربية» حدث ٢٠٢٤، كما هو حدث القرن الحادي والعشرين بامتياز وذلك كلّه في ضوء حقائق وجهود وعمل مؤسسي عربي جماعي شارك فيه أكثر من ٢٠ مؤسسة لغوية وأكاديمية من مختلف البلدان العربية، إلى جانب فريق عمل مؤلف من أكثر من ٧٠٠ محرر وطبّاع.
المعجم حدث ٢٠٢٤ وحدث الزمن العربي الثقافي اللغوي والبلاغي والمرجعي لأنه قام على ٧٣٠٠٠ مدخل لغوي، وغطّى أكثر من ٢١.٥ مليون كلمة، واستند إلى ١١٣٠٠ جذر لغوي.
المعجم حدث العام وحدث اللغة العربية لأنه استند أيضاً إلى ٣٥١٠٠٠ شاهد تاريخي، وبلغ إجمالي صفحاته ٩١٠٠٠ صفحة، واستمر العمل عليه سبع سنوات ليقع في ١٢٧ مجلّداً بطباعة فنية عالية الجودة، وتجليد راقي المهنية، وتبويب مرتّب يؤدي إلى سلاسة شفافة في تتبّع جذور الكلمة، وتحوّلاتها اللغوية والبلاغية.
يشير المعجم إلى دلالات الكلمات التي سجّلتها معاجم العصر الحديث ومعاجم بقية العصور، ولقد تتبّع العلماء اللغويون والمعجميون العرب الأكارم جذور الكلمات، ومرجعياتها في النقوش العربية وفي نظائرها السامية في اللغات الفينيقية، والآرامية، والسريانية، والعبرية، والحبشية القديمة، والأكادية، والأوغاريتية، وذلك كلّه في إطار بحث معجمي ولغوي منظم وَمُنسّق بين أفراد الفرق العاملة.
الجزء الأول من المعجم يشرح بالتفاصيل آلية البحث المعجمي والأكاديمي، وكيفية الوصول إلى تاريخ الكلمة، عبر ما أشرنا إليه قبل قليل من جذور للكلمة ونظائر لها، وهو عمل يحتاج إلى دقة وصبر ومثابرة بحثية فردية وجماعية تمثّلت عملياً وحرفياً وضميرياً في هذا الإنجاز الثقافي النبيل.
سيظل عام ٢٠٢٤ علامة تاريخية كبرى بإنجاز المعجم، والاحتفاء به في قطاعات ثقافية عربية عدّة بدءاً من الأفراد وإلى المؤسسات الثقافية والأكاديمية واللغوية في الوطن العربي، وفي القرن الحادي والعشرين الذي أصبحت فيه العربية الفصحى لغة الملايين سواء بكونها اللغة الأم لأهلها الأصليين، أو اللغة التي يكتب ويقرأ بها غير العرب.
ندخل الربع الأول من القرن بإنجاز ثقافي عربي يخصّ الهوية والشخصية والكينونة الأدبية والإبداعية في العالم، وهي مقدّمة علمية لدخول الزمن الثقافي العالمي من خلال اللغة، لغتنا، لغة آدم الذي عرف الأسماء كلّها، وأوّلها اسمنا العربي الجميل.
0 تعليق