هل تكون 2025 سنة الانفراجات؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

د. ناصر زيدان

كانت السنوات الأخيرة – لاسيما منها 2024 – صعبة على المستوى الدولي، وشهدت تطورات قاسية في أكثر من مكان من العالم، حصلت فيها ويلات إنسانية ونكبات طبيعية، وتراجع في منسوب النمو الاقتصادي في عدد كبير من الدول، بينما سياق التنسيق بين القوى المؤثرة لم يكن بأفضل حال، وغلبت سِمة التوتر على العلاقات الدولية، على حساب التعاون الذي لم يكن على أفضل حال.
يكفي ما حصل في قطاع غزَّة من مجازر وارتكابات ضد الفلسطينيين في العام المُنصرم، لكي يعطي عنواناً للمآسي التي حلَّت دون أن يتمكن المجتمع الدولي من وقف العدوان الإسرائيلي حتى اليوم. أما النكبات الإقليمية المتتالية في سوريا وفي لبنان وفي السودان وفي اليمن، فقد أكملت صورة الانهيارات في الأخلاقيات السياسية، حيث دفع المدنيون أثماناً باهظة من جراء الاقتتال من دون أن يكون لهم أي تأثير في مجرى الأحداث والحروب والنزاعات في هذه الدول.
وقد هيمنت حرب أوكرانيا على مجرى الأحداث الدولية، وهي ساهمت في وضع العالم على شفير حرب كونية أخرى، وكانت مصدر خطر على البشرية جمعاء، لأن تفاقُم التوتر بين روسيا من جهة وأوكرانيا مدعومةً من القوى الأطلسية من جهة ثانية، وصل إلى حد التهديد باستخدام السلاح النووي الفتّاك. تداعيات الحرب لم تبق ضمن القارة الأوروبية فقط، بل توسَّعت تأثيراتها السياسية والأمنية والاقتصادية لتطال الاستقرار الدولي برمته.
بعض المؤشرات الإيجابية بدأت تظهر مع قدوم العام الجديد، ويمكن لها أن تُسهم في تهدئة الهياج الدولي الذي وصل إلى سقوف عالية، ومن أبرز هذه المؤشرات قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، بعد ما يزيد على 14 شهراً من الحرب التي شهدت ويلات إنسانية لم تحصل من قبل، من جراء تجاوز الآلة العسكرية الإسرائيلية كل قواعد الحروب التي تنظمها القوانين الدولية، لاسيما القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف لعام 1949، التي فرضت على أطراف النزاع تحييد المدنيين عن نيران الحرب، بينما تحوَّل هؤلاء الأبرياء إلى وقود لهذه الحرب في غزة، وارتكبت القوات الإسرائيلية فضائع يندى لها الجبين.
ومن العوامل التي قد تُضفي بعض الإيجابية على مساحات التوتر الواسعة، الإشارات التي صدرت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحفي بمناسبة نهاية العام، وتضمَّنت استعداده للتعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بينما أمل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أن تتقلص التوترات العسكرية في أوروبا وفي الشرق الأوسط لصالح تنافس تغلُب عليه السمة الاقتصادية والتكنولوجية، وهو وعد بإيجاد حلول لمشاكل الشرق الأوسط، ويأمل الجميع أن تكون هذه الحلول بعيدة عن مقاربات الخطابات الانتخابية التي غلبت عليها لغة الانحياز لصالح العدوان الإسرائيلي، ولم تكن متوازنة تجاه قضايا المنطقة العربية العادلة، لاسيما تجاه قضية الشعب الفلسطيني المنكوب.
وهناك بوادر مقبولة قد تُسهم في تقليص التشنجات الإقليمية والدولية، منها الاتجاه لتسوية مشكلات المشرق العربي في لبنان وسوريا والعراق، بعد أعوام من التعطيل والنزاعات والفوضى، بينما يأمل الجميع أن تنحو مشكلات اليمن والسودان والقرن الإفريقي نحو تفاهمات مقبولة تساعد على توفير الاستقرار.
أما في ما يتعلَّق بالتوترات في بحر الصين الجنوبي – لا سيما حول تايوان – فقد نقلت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك عن المسؤولين الصينيين الذين التقت بهم مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول في بكين، استعدادهم للمساهمة في خفض التوترات الدولية، بما في ذلك في شرق آسيا، وأن الصين تتطلع إلى تعاون مع أوروبا ومع الولايات المتحدة الأميركية، وليس لها نوايا عدوانية تجاههما.
وعلى الضفة الأخرى، هناك بوادر إيجابية دولية جدية وجديدة، ظهرت في مؤتمر «كوب 28» في دبي وفي «كوب 29» في باكو لمعالجة بعض الانفلاش في استخدام المواد التي تزيد من الانبعاثات الكربونية السامة التي تساعد في التغيرات المناخية السلبية، والتزامات الدول الكبرى في خفض الانبعاثات كانت صريحة، وهي وافقت أيضاً على المساعدة في تمويل مشروعات لإنتاج الطاقة النظيفة في الدول النامية بقيمة 300 مليار دولار.
ويمكن لهذا التعاون أن ينتج مقاربات أكثر نجاعةً، للوصول إلى لجم الاحترار الكوني بحدود 1.5 درجة، ذلك أن غالبية دول العالم ذاقت لوعة النكبات الطبيعية الناجمة عن تزايد الأعاصير والفيضانات، وعن ارتفاع درجات الحرارة التي بدأت تؤثر سلباً على الجماد القطبي.
يبقى الامتحان الأكثر تعقيداً أمام القوى الدولية الكبرى، لا سيما مجموعة العشرين هو إيجاد صيغة تكفل انسياب التبادلات التجارية المالية، من دون أن يكون لقوة واحدة قدرة على فرض عقوبات دولية بشكل منفرد، خصوصاً في مجال التحويلات المالية والتسويفات التجارية، بينما فرض العقوبات الوطنية يبقى من ضمن القرارات السيادية للدول. وقد يكون هذا الاقتراح الذي تقدمت به مجموعة من دول «البريكس» أفضل من اعتماد مخارج تنافسية مالية جديدة تزيد من الإرباك أمام الحركة التجارية، على أن تبقى التبادلات الثنائية خاضعة لتفاهم الجهات المعنية من دون أي تدخل سلبي خارجي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق