ما لم يره العرّافون - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ساعات وينقضي موسم الهروب إلى نبوءات وتوقعات لا ترضي فقط رغبة الإنسان في تجاوز واقعه ومحاولاته اليائسة لكشف الغيب، وإنما تعني أيضاً عدم اطمئنان إلى واقعه، خاصة إذا كان على شاكلة ما تعيشه منطقتنا المحاطة في معظم الوقت بالضبابية وتداخل الأوراق.
كلنا يبحث عما يهدئ روعه، ومعظمنا يفضّل الرهان على قوى خارج نفسه، لتخلّصه من كبواته، أو تحقق مبتغاه. وهكذا، أصبحنا منطقة ينشط فيها المنجمون والمبتدعون والعرافون ومدعو العلم بالمستقبل، خاصة أن أهل الاستشراف العلمي اليقظ غائبون، أو مغيّبون.
في غيبة العارفين، أو صمتهم، تصبح كل أوراق اللعبة بأيدي العرافين، نأتيهم خلف الشاشات أو في دهاليز الشبكة العنكبوتية أو في مجالسهم، ثأراً من مسؤول نود سقوطه، أو أملاً في تحرير بقعة من خريطتها، أو سعياً إلى هزيمة طرف لا نقدر عليه، ويظن، من فرط انتصاراته المبنية على حماقات بعضنا، أن لن يقدر عليه أحد.
على كلٍ، ينصرم 2024 وهو يورّث العام الذي يليه أوراق سقوط لا تحصى، سقوط وجوه وساحات وتحالفات، وكل ذلك لم يحط به العرافون علماً، فخسر أشهرهم مواقعهم الاستراتيجية في خريطة الوهم السنوية.
سقط العرافون أيضاً، وقبلهم الذين يملؤون بهم نهايات الأعوام مبررين عجزاً مضى، ومبشرين بنهضة لن تأتي ما دامت طرق المستقبل محاطة بغفلة البعض عن المتغيرات، وجلوس البعض بلا حراك في انتظار مصائر يرسمها الآخرون.
يمضي العام بانتصارات فردية على الخريطة يحرسها العقلاء القابضون على قيمة أوطانهم، تاريخاً وحدوداً وبشراً، لكنها لا تكفي لمداراة عجز الآخرين وحماقاتهم، وخيانة بعضهم لمعاني الانتماء وجوهر العروبة والدين، وكلها تقود حتماً إلى الهزائم المربكة.
هذه الهزائم راوغت العرافين، وألقت في قلوب الجميع القلق من الآتي، خاصة في هذا العام الحافل بخسائرنا من البشر والبنيان، وهي مؤهلة للزيادة، خاصة أن معظم أوراق اللعبة لا يزال خارج أيدينا.
خدعَنَا العرافون والمتاجرون بالأوطان، فطاردنا خلال العام أحلاماً بأن تنتهي مآسينا الموزعة على أكثر من بقعة، لكنه يثبت مع نهايته أن لا شيء في هذه المنطقة يمكن الاطمئنان إليه في كل الأوقات، فالحسابات معقدة، وتشابك الملفات مُلغز، ونحن، في معظم الأحوال، في خانة المفعول به.
لعلّ الساعة حين تتحرك نحو بدايات عام جديد توقظ الغافلين منا وتفتح أعيننا جميعاً على السيناريوهات الجاهزة للتنفيذ وتخلي مساحات العرافين والمنجّمين وباعة الأوهام لمن يقدرون على القراءة المتعمقة المتجردة، فالآتي، من إرهاصاته، يبدو أصعب.
كذّب المنجمون، وهذه طبيعة الأشياء، ولم ير العارفون مبكراً الأثمان التي دفعناها في هذا العام، ولن ندرك ما نتهيأ لدفعه إذا بقيت الأمور على حالها متروكة لعشوائية الخطط، واللامبالاة في التعامل مع الأخطار المحدقة بنا جميعاً.
لا أمنية للعام الجديد أوجب من يقظة جماعية ترى ما لا يراه العرّافون وتنقذنا جميعاً.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق