عمل كارلوس فوينتس (1928-2012) سفيراً لبلاده المكسيك في فرنسا فترة من حياته المهنية (1975-1977) كان خلالها لا يكتب ولكنه، كما يقول، كان يتحدى الصفحة البيضاء، ويرى أن الدبلوماسية بمعنى من المعاني هي نقيض الكتابة، ولكن ليس دائماً.
نيرودا عمل دبلوماسياً ولكنه سحب وراءه قطاراً من الشعر ذي اللهب الأزرق، ولم يعرف عن شاعر تشيلي الكبير أنه عجز أمام ورقة بيضاء.
يرى فوينتس أن الكتابة تستوجب تركيز الكاتب، تستوجب عدم القيام بشيء سواها، كي لا يصاب بقرحة في المعدة كما جرى له في لحظة ما من لحظات عسر الكتابة.
عمل فوينتس الكتابي في حدّ ذاته هو متعة له ولقارئه، يقول إنه كاتب صباحي. يكتب ابتداء من الثامنة والنصف حتى الثانية عشرة والنصف ظهراً، ثم يذهب للسباحة، يرجع، ويتناول الغداء. يقرأ فترة العصر، ثم يخرج للمشي استعداداً للكتابة في الصباح التالي. (المعلومات من حوار أجري مع فوينتس في مجلة «باريس رفيو»، عدد شتاء 1981).
هناك جانب مهني آخر في حياة صاحب «موت آرتيمو كروس»، فهو أكاديمي عمل في خمس جامعات، وهو عالم اجتماع وليس بعيداً عن بعض تبعات السياسة وإن لم يغرق في حيثيات حزبية أو أيديولوجية ضاغطة، وبالطبع، كما هو حال الكثيرين غير المحظوظين ب «نوبل»، لم يحصل على الجائزة، لكن اسمه الروائي أو الثقافي ظل في موازاة كبار كتّاب الإسبانية ورموزها الروائيين الاستثنائيين.
الكتابة، إذاً، وظروفها المكانية والنفسية والمادية هي ما يمكن تتبعه بشغف في حوارات «باريس رفيو» التي تأسست في العام 1953 وظلت تصدر على مدار ستين عاماً. وإنها لمتعة بالغة الخصوصية أن تقرأ كيف كان يكتب همنغواي، وميلر، وبورخيس، وكونديرا، وغيرهم من تلك القامات الباذخة. وبالفعل، ثمة ما هو قائم بين البذخ وَحَيوات هذا الطراز الرفيع من كتاب الرواية والشعر. كان فوينتس يعيش في بيت فكتوري ضخم «على الجدران لوحات لبيكابيا، وميرو، وماتّا، وفارسيلي، وغيرهم، وأغلب هذه الأعمال هدايا للكاتب من أصدقائه الفنانين..». أما امبرتو إيكو صاحب «اسم الوردة»، فقد كان له قصر مقام في القرن السابع عشر على تلال أوربينو قرب ساحل إيطاليا الأدرياتيكي.
ومرة ثانية، الكتابة وأسرارها ومفاجآتها وما يمكن أن تتركه من أثر في روح وجسد الكاتب، وأي قوة على التحمل والصبر حين يعيد المرء كتابة صفحة واحدة أكثر من 39 مرة كما فعل آرنست همنغواي في الصفحة الأخيرة من روايته «وداعاً للسلاح».
كان روائيو وشعراء ذلك الجيل من نبلاء الأدب يكتبون بالقلم ثم يطبعون ما يكتبونه على الآلة الكاتبة، ولا تنس تلك الرزم من الورق التي كانت تشتريها مرسيدس لزوجها ماركيز لكي يتم «مئة عام من العزلة» بلا قرحة في المعدة.
[email protected]
0 تعليق