إن مرور ربع قرن من الألفية الثالثة مدعاة للكثير من الأسئلة المؤرقة التي سيخضعها العديد من المحللين لمختلف التفسيرات خلال هذا العام.
إذا فكرنا في من يمكن أن نمنحه البطولة خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية فلن نجد أفضل من التكنولوجيا بمختلف أبعادها، تلك التي كانت تفاجئنا كل يوم بالجديد.
افتتح القرن الجديد بنشأة مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث كانت تبشر بنوع مختلف من الاتصال بين البشر، والتي تفرض علينا الآن سؤالاً ملحاً: هل تحسّن بالفعل ذلك الاتصال أم تحوَّلنا جميعاً إلى مجموعة من الجزر المعزولة التي تطل كل منها على الأخرى عبر طاقة ضيقة لا تلبث أن تختفي سريعاً؟ وهل حسّنت تلك المواقع أدواتنا التفاعلية بالفعل؟ وهل ارتفعت معدلات اهتماماتنا بشؤون الآخرين، أم أن ما نوليه من وقت بسيط لهؤلاء يتّسم بالخفة وعدم الغوص في الأعماق والبحث عن حلول للمشكلات الحقيقية؟.
وكان الذكاء الاصطناعي أحد تجليات التكنولوجيا، وكثر الحديث عنه، وبصفة خاصة سلبياته؛ حيث يتخوف أغلبنا أن يأتي اليوم الذي تحل فيه الآلات مكاننا، إلا أن هناك من يرفض هذا السيناريو، فالذكاء الاصطناعي ابتكار رأسمالي، ولن يسمح أباطرة السوق بانتشار الآلات التي ستعوق دورة رأس المال، ولن تحقق الأرباح المطلوبة التي يوفرها البشر لأولئك الأباطرة.
الملاحظ أيضاً أن التكنولوجيا، برغم الكثير من مزاياها، قد أثرت بالسلب في بعض القيم الإنسانية الأساسية، فبدأنا نشاهد الهوس المبالغ فيه، وشبه المرضيّ بالصورة، نرى أحدهم يصور نفسه في أماكن العبادة، بعدما كانت تلك القيمة تعكس علاقة خاصة بين المرء وربه، ونرى آخر وهو يتصدق على الفقراء؛ ليحصد آلاف المتابعات، وهذا ثالث يصور جريمة أو حريقاً ولا يفكر في أن يشارك بأي شيء إيجابي في الموقف الذي يحدث أمامه.
ترافقت هذه التحولات التكنولوجية وتبعاتها، مع انتصار كاسح للعولمة، فالأسواق في معظم أنحاء العالم باتت مفتوحة، والعلامات التجارية الكبرى أصبحت في كل الأمكنة، حتى تلك التي كانت بالأمس القريب أمكنة مغلقة أو معزولة.
على المستوى المجتمعي باتت الكثير من البلدان تتمتع بنسبة مرتفعة جداً من الشباب بين سكانها، وهو ما يسبّب القلق من الاضطرابات، وسوء فهم من قبل الأجيال الأكبر لثقافة هؤلاء الشباب ورؤيتهم للعالم وطرائق سلوكهم في الحياة.
وبرغم أن هذه الحقبة تميّزت كذلك بحديث طويل عن التطور في الطب والاكتشافات العلمية، فإن هناك الكثير من المناطق في البلدان الفقيرة التي لا تزال محرومة من أساسيات الحياة.
ولعل القضية الأكثر سخونة في تلك المرحلة تتمثل في التغير المناخي، والسيناريوهات المرعبة التي نقرأ عنها بين الحين والآخر، وحيث لم يجد العالم طرائق ناجعة في منع احترار الأرض.
أما القضايا التاريخية الخالدة التي تعبر بالتاريخ بصورة دورية فلا تزال كما هي، لم تتغير، ولم تتبدل حتى أساليب الإنسان في التعامل معها، فالحرب تشتعل بين الحين والآخر، والعنف مستمر، وهناك قطاعات كثيرة من البشر تشعر بالظلم على مستويات عدة.
0 تعليق