منذ اليوم الأول لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى اللحظة، ظل مفهوم اليوم التالي لما بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مفهوماً ضبابياً على الرغم من الطروحات الكثيرة التي قيلت في هذا الشأن، لكنها لم ترق إلى صيغ أو صيغة رسمية تحدد بوضوح ملامح هذا اليوم، الذي بات أكثر إلحاحاً بعد التوصل إلى اتفاق صفقة التبادل، مؤخراً، والذي يفترض أن يضع نهاية للحرب.
إذا سار تنفيذ الاتفاق سيراً طبيعياً، يفترض أن يبدأ في اليوم السادس عشر لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، التفاوض حول المرحلة الثانية من الاتفاق، بما يشمل تحويله إلى وقف دائم لإطلاق النار، أي إنهاء الحرب التي استمرت نحو 15 شهراً، وهي أطول الحروب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. لكن النقطة الجوهرية التي سيصطدم بها المتفاوضون ستتمحور حول مستقبل قطاع غزة، ومن الذي سيحكم القطاع في اليوم التالي بعد الإعلان رسمياً عن انتهاء الحرب؟
إذا كانت الحروب تقاس بنتائجها وليس بكلفتها، فإن إسرائيل التي فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، لن تستطيع فرض رؤيتها لليوم التالي، القائمة على رفض عودة حكم «حماس» والسلطة الفلسطينية معاً من دون طرح بدائل واضحة. أما الصيغ التي كان يطرحها اليمين المتطرف بشأن التهجير والاستيطان، فهي تتطلب استئناف الحرب واحتلال القطاع بشكل دائم، بما يعنيه ذلك من كلفة باهظة ودخول الجيش الإسرائيلي في حرب استنزاف طويلة الأمد، ناهيك عن تنامي المعارضة الإسرائيلية والرفض والدولي.
وبالمقابل، تدرك حركة «حماس»، على الرغم من مظهر انتشارها السريع والواسع في كل أرجاء القطاع في اليوم الأول لوقف إطلاق النار، أنها لن تعود إلى حكم غزة، كما كانت سابقاً، سواء أكان بسبب رفض ومقاطعة المجتمع الدولي لها، أم لأنها ستجد نفسها أمام استحقاقات وتحديات هائلة لن تقوى على تحمل مسؤوليتها منفردة.
وإزاء هذا الوضع المعقد والشائك، لا مفر من البحث عن حلول سياسية، حيث تظهر سيناريوهات كثيرة ومتعددة، لا يمكن الجزم بأي منها. فالسلطة الفلسطينية تعتبر نفسها الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بإدارة القطاع، مدعومة بموقف أوروبي مشروط بإصلاحها وإعادة تأهيلها، وترفض تشكيل لجنة فلسطينية مشتركة لإدارة القطاع، خشية فقدان الدعم الدولي. وهناك سيناريوهات أخرى تفترض وجود قوات دولية وعربية لإدارة القطاع، قد يكون أبرزها الرؤية الأمريكية التي عبّر عنها وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن وسلمت لإدارة ترامب للمتابعة، وتستند إلى إسناد إدارة غزة بعد الحرب للسلطة الفلسطينية، لكن مع أدوار مؤقتة للأمم المتحدة وأطراف أجنبية.
الواضح حتى الآن، أنه في ظل غياب أي توافق بين طرفي الصراع، فإن عملية التفاوض ستصطدم بحقل ألغام سياسي حول هوية الجهة التي ستحكم القطاع بعد الحرب، بانتظار ما قد تحمله إدارة ترامب الجديدة من مفاجآت، أو ما ستفرزه المفاوضات نفسها لتحديد المسارات التي قد تذهب إليها.
[email protected]
0 تعليق