عقدت في بروكسل قمة غير مسبوقة، يوم الاثنين الماضي، جمعت قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27، إضافة إلى رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، وأمين عام حلف الأطلسي مارك روته، في محاولة للاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة تبعات الحرب الجمركية التي هدّد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول الاتحاد، إضافة إلى تداعيات احتمال اتفاق روسي -أمريكي على وقف الحرب الأوكرانية، ما يضع دول الاتحاد أمام معضلة الوقوف وحيدة في دعم كييف.
دعا لهذه القمة غير الرسمية أمين عام الحلف وستارمر؛ لبحث سبل تعزيز الدفاع عن أوروبا، وكيفية مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية المتوقعة. وتراوحت المواقف بين من يدعو للرد على الحرب التجارية كما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال: «إذا تعرضنا لهجوم حول المسائل التجارية فسيكون على أوروبا، كقوة ثابتة على موقفها، أن تفرض احترامها وبالتالي أن ترد»، في حين اعتبر رئيس وزراء بولندا دونالد توسك أن علينا «بذل كل ما في وسعنا لتفادي هذه الرسوم الجمركية، وهذه الحروب التجارية غير المجدية إطلاقاً والحمقاء». لكن من الواضح أن الاجتماع لم يخرج بنتيجة حاسمة حول الرد على الرسوم الجمركية الأمريكية المتوقعة، نظراً لاختلاف في وجهات النظر بين من يؤيد المواجهة من منطلق تأكيد استقلال أوروبا ووحدتها، وكي لا تبدو هشة وضعيفة، وبين من يدعو إلى مفاوضات تجارية مع واشنطن في محاولة للتوصل إلى حل وسط من دون إغضاب الرئيس ترامب.
المشكلة الأخرى التي واجهت قادة أوروبا هي تعزيز إنفاقهم الدفاعي لمواجهة تبعات قرار واشنطن وقف دعمها لأوكرانيا أو تقليص المساهمة الأمريكية في ميزانية حلف الأطلسي إذا لم ترفع دول الحلف مساهماتها بنسبة خمسة في المئة من ناتجها القومي بدلاً من اثنين في المئة. وإذا كان هناك إجماع على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، فإن كيفية القيام بذلك لا تزال موضع جدل مرير، وتقدّر بروكسل أنه يجب استثمار 500 مليار يورو إضافية في الدفاع على مدى العقد المقبل. وتتحدث رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن تمويل مشاريع مشتركة في مجالات حاسمة مثل الدفاع الجوي.
حاول أمين عام حلف الأطلسي مارك روته التخفيف من المأزق الذي يواجهه التحالف الغربي بالقول: «كانت هناك دوماً مشاكل بين الحلفاء، لكن لدي قناعة مطلقة بأن ذلك لن يؤثر في عزمنا الجماعي في إبقاء قدراتنا الرادعة قوية»، لكنه يعترف من جهة أخرى بأن التحالف الغربي من دون أمريكا لا قيمة له، ويقول: «إنه من السخف تصور حلف شمال الأطلسي من دون دور رئيسي للولايات المتحدة». ويضيف: «أفضل شيء يمكن أن يفعله الغرب هو أن يبقى متحداً، وأنا أعلم أن الفكرة نفسها ما زالت سائدة في الولايات المتحدة، بما في ذلك في البيت الأبيض».
روته يدعو للتحول من عقلية السلام إلى «عقلية الحرب»، لكنه يواجه مأزق عدم الاتفاق بين دول التحالف حول الخطوط العريضة لما يمكن أن تفعله معاً لمواجهة روسيا في أوكرانيا والحرب التجارية الأمريكية، الأمر الذي يجعل الكرملين يشعر بالارتياح؛ لأنه يجد خصماً ضائعاً بين عدم القدرة على الدفاع عن نفسه وبين حاجته لمن يدافع عنه، وهذا ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القول: «سيقوم ترامب بشخصيته وإصراره، بإعادة ترتيب النظام بسرعة كبيرة..».
0 تعليق