د. باسمة يونس
من منا لا يشعر بالفخر كلما حققت دبي نجاحاً تلو الآخر، وفاجأت العالم بمبادرات غير مسبوقة وغير متوقعة تواصل تعزيز مكانتها كمصدر لإلهام العالم، فلم يكن تصدر دبي قوائم البحث عن مصدر الابتكار وموطن الإبداع ووجهة المستقبل من فراغ، بل هو نتيجة للرؤية التي انطلقت من مفهوم أن لا مستحيل قادر على منع الأحلام من فرد جناحيها، وكل شيء ممكن إن تسلح بالإصرار والعزيمة والهدف الواضح.
لقد أصبحت دبي واحدة من أكثر المدن تحولاً في العالم، يتمازج فيها التراث العريق بالتطور الحضاري المذهل ويرتفعان فوق قمة الانسجام بين الماضي والحاضر الذي عجزت أكثر الدول تقدماً عن تحقيقه. والآن عندما تتطلع دبي لحفظ ذاكرتها التاريخية فهي تفعل ذلك بأسلوب يعكس روحها المبتكرة، ويجعل ماضيها مصدر إلهام لمستقبلها.
وكما تعرف دبي اليوم بكونها مدينة المستقبل، فإن جذورها الممتدة في التاريخ هي حجر الأساس لهويتها ومنطلق مبادرة «إرث دبي» لتوثيق تاريخ الإمارة بمشاركة مجتمعية. ويتجلى الابتكار في هذه المبادرة كونها لا تقتصر على فئة معينة لجمع الروايات التاريخية فقط، بل مشروع مجتمعي متكامل، كعادة دبي، يدمج الإبداع الأدبي والفني وروايات المجتمع الحقيقية، لضمان نقل هذا الإرث بأسلوب مؤثر ومستدام للأجيال القادمة.
ومما لا شك فيه أن جمع هذا الإرث يأتي من منطلق الحفاظ على الهوية الوطنية؛ حيث يمثل الإرث الثقافي والتاريخي لأي مدينة سجلاً لهويتها، وكل حدث على أرضها هو جزء من هذا الإرث، وتعزيزاً لمعنى الانتماء المجتمعي الذي يدعو الجميع للمشاركة في سرد قصة دبي بما لديهم من حكايات وصور وأحلام.
وتسهم المبادرة في إثراء المحتوى الثقافي وتوفير مادة غنية يمكن استخدامها في المناهج الدراسية والإعلام والمشاريع الفنية والأدبية لدعم السياحة الثقافية، فالتراث أحد أهم عوامل جذب السياح، ويسهم في تنويع الاقتصاد المحلي وتعزيز صورة دبي عالمياً كمركز للثقافة إلى جانب كونها مركزاً مالياً وتجارياً.
كما تخرج المبادرة عملية التوثيق من مجرد عملية أرشفة تقليدية إلى تجربة حية وتفاعلية أداتها المجتمع بكافة شرائحه ومبدعيه لكتابة تاريخ دبي بأسلوب سردي روائي وبتفاصيل نادرة مأخوذة ومستوحاة من شخوص وأحداث حقيقية، تجعل التاريخ أقرب إلى القراء وتعزز ارتباطهم به.
وكما للقصة دورٌ بارز في توثيق تاريخ العرب، فالشعر قادر على استعادة هذا الدور عبر قصائد تحكي قصة دبي وإنتاج أفلام ومسرحيات ومطبوعات مستوحاة من إرث دبي، تجسد مراحل تطور المدينة بأسلوب وثائقي أو درامي يجعل التاريخ أكثر حيوية وجاذبية.
ويرتكز نجاح هذه المبادرة الكبرى على كونها تسعى لجمع إرث دبي الغني بالأشخاص والأحداث والفعاليات والحكايات ورواة التحولات الكبرى ممن عاصروا تلك المراحل التي برزت فيها دبي وحلقت نحو الصدارة، ولفتت أنظار العالم ليأتوا إليها من الشرق والغرب والجنوب والشمال محملين بأحلام وتصورات لم تكن ستتحقق إلا فوق أرض خصبة برؤية جبارة حولت جفاف الصحراء لنبع عطاء بمختلف أنواعه ومجالاته.
إن جمع إرث دبي ينسجم مع أسلوبها الإبداعي ومع حالة التطور التي تعيشها بشكل يومي، فهو ليس مجرد توثيق أرشيفي تقليدي، بل مشروع ثقافي حي يعتمد على الإبداع بكل مجالاته ليصل إلى الأجيال القادمة بأساليب مختلفة وجذابة، والأهم من ذلك أن يجعلهم جميعاً جزءاً من هذا التاريخ، ويسهّل عليهم فرصة المشاركة في كتابته وإثراء المبادرة بفنون وروائع خالدة تشبه دبي.
[email protected]
0 تعليق