نعتقد أن الحصول على المزيد من الحرية يعني امتلاك المزيد من السلطة على حياتنا، وأن الاستقلالية هي مفتاح السعادة، لكن في الواقع يمكن أن تكون الحرية عبئاً ثقيلاً. عندما نمتلك الخيار المطلق في كل جانب من جوانب حياتنا نجد أنفسنا أحياناً في حالة من الارتباك الدائم، الحرية اللامحدودة تضع على عاتقنا مسؤولية اتخاذ القرارات بشكل مستمر، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، دون أن يكون لدينا مرجعية أو توجيه خارجي يساعدنا في الاختيار، وقد يؤدي هذا إلى شعور دائم بالحيرة، وكأننا ضائعون في بحر من الاحتمالات، نتنقل بين الخيارات دون أن نتمكن من تحديد الاتجاه الصحيح.
في ظل هذه الحرية الواسعة تظهر أيضاً مخاوف أخرى، كل قرار نتخذه يصبح أكثر وزناً، لأننا نعلم أن العواقب ستكون نتيجة لاختياراتنا الخاصة، لا يوجد شخص آخر يمكننا إلقاء اللوم عليه، ولا يوجد نظام يمكننا الرجوع إليه لتخفيف الضغط الذي نشعر به، يصبح من الصعب أحياناً تمييز ما إذا كانت قراراتنا تأتي من مكان حقيقي داخلنا، أم أننا فقط نسعى لتحقيق شعور زائف بالاستقلالية.
هذه المعادلة التي تجمع بين الحرية والمسؤولية، قد تؤدي في النهاية إلى إرهاق نفسي، فكلما ازدادت حريتنا أصبحت الخيارات أكثر تعقيداً، وواجهنا ضغوطاً أكبر في اتخاذ القرارات، وفي هذا السياق يصبح من السهل أن ننسى أن الحرية ليست دائماً ضماناً للسعادة، بل قد تكون العكس، فتتحول إلى عبء ثقيل يثقل كاهلنا ويؤدي بنا إلى حالة من الشك المستمر في قراراتنا.
من ناحية أخرى، نجد أن الأشخاص الذين يعيشون في بيئات ذات حدود واضحة أو في مجتمعات منظمة، قد يشعرون أحياناً بمزيد من الأمان النفسي، الحدود تعطيهم إطاراً يساعدهم في اتخاذ القرارات، وتخفف عنهم عبء التفكير المستمر. في تلك الحالة، الحرية لا تأتي على شكل اختيارات مفتوحة، بل على شكل خيارات ضمن نظام يعزز الشعور بالاستقرار، قد يبدو هذا التضييق على الحرية أمراً غير جاذب للبعض، ولكن يمكن أن يكون مصدراً للراحة النفسية لآخرين.
لا تكمن السعادة في امتلاك الحرية المطلقة، بل في كيفية استخدام هذه الحرية بشكل يسهم في تحقيق الاستقرار الداخلي. الحرية الحقيقية ليست مجرد غياب للقيود، بل هي القدرة على اختيار ما هو أفضل لنا ضمن الحدود التي نضعها بأنفسنا، وبالوعي الكامل بما يترتب على اختياراتنا.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق