هل أتاك حديث الاجتياح اليأجوجي المأجوجي في وسائل التواصل، لنشر اللغة الصينيّة؟ أساليب ليس حصرها يسيراً، ولكنها ليست «عدد النجم والحصى والتراب». حتى قبل سنتين أو ثلاث لم تكن الظاهرة هكذا. التنوّع كثير، وفير، من الدرس في مفردة وحيدة، إلى عشرات الحلقات المتسلسلة في ثلاثة مستويات أكاديمية متدرّجة صعوداً. العامل المشترك بين كل الأصناف، هو الشعف والشغف واللهف والكلف باللغة، بالهوية، بخزائن التراث وكنوز الميراث.
الكثرة صادمة، فالمجاراة محال عدديّاً، إنما دعنا فذا ليس مهمّاً. ما يلفت الانتباه، هو مفاجأة المقارنة. في مقابل ندرة الجودة والابتكار والتجديد في مواقع نشر العربية والتعريف بجمالها وعبقريتها، يصاب العربي بالعبارة المرعبة الشهيرة في الاستراتيجية إيّاها: «الصدمة والترويع»، للحملات التي لا تحصر، على جذور لغتنا ونشأتها وبنيتها وتاريخها وأصالة قواعدها. هجمات تُشنّ بأصوات ناطقة بالعربية، والله أعلم بالسرائر، وبما دارت به علينا الدوائر.
في شأن تلك المواقع، يسهل اكتشاف المايسترو الذي يدير الأوركسترا. ثمّة عبارة كثيرة التردّد: «الصينيّة سهلة»، يدل عليها أن الحصّة كلمة أو بضع مفردات أو جملة أو عدد محدود منها. العبارة ذكية ومقصودة، فهي ترمي إلى تفنيد الشائع في الأذهان، أنها لغة صعبة. هذه قضيّة في غاية الأهميّة، اسأل أيّ أجنبيّ يتعلم لغتنا، سيقول فوراً إنها لغة صعبة جدّاً. المسكين لا يعلم أن عربيّة غالبيّة العرب هي أيضاً تترنّح، فالمتمكّنون منها تمكّنت منهم البأساء ألف مرّة.
لغير العارفين، المشكلة في رسم كلمات الصينية لا في بنيتها اللغويّة، فقواعدها في منتهى البساطة والسهولة. ما يزيد الطين بلّة في الكثرة، هو أن محرّكات البحث صارت في السنوات الأخيرة، تستجيب بما يفوق حاجة المتصفح، فبمجرد الطلب تكرّ المسبحة. السؤال: هل الصينيّون أشدّ تعلقاً بلغتهم منّا بلساننا؟ للفرنسيين أيضاً مواقع لتعليم الفرنسيّة مثل الأرز، في مقدمتها وزارة الخارجية، القناة الفضائية الخامسة، صحيفة «لوفيغارو»... أمّا الإنجليزية فحدّث ولا هرج.
التحذير الضروري: لغتنا هويتنا ودرّة شخصيتنا، فلا يجوز أن يكون تعليمها والتعريف بها، من قبيل البضاعة المطروحة على الرصيف. على أصحاب المواقع الشبكية التحلي بالضمير والمسؤولية، وأن يكونوا رقباء على ما يعرضون. أكثريتهم: «جئنا به يشفع في حاجةٍ.. فصار محتاجاً إلى شافعِ»، نجّارون أبوابهم مخلّعة، فليحذروا أن يكونوا طابوراً خامساً أو بِرذَوْن طروادة، حتى لا تقول العربية: «أمّا أعدائي فأنا كفيلة بهم»، فيزداد صدق شاعرنا «وظلم ذوي القربي أشدّ مضاضةً...».
لزوم ما يلزم: النتيجة الطلبيّة: حتى أساليب نشر لغتنا في العالمين، علينا أن نطلب أساليبها في الصين.
[email protected]
0 تعليق