وليد عثمان
لا يمكن بحال فصل تصرفات إسرائيل تجاه قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان، عن ممارساتها المستمرة تجاه المنظمات الدولية وقادتها، والتي تحاول من خلالها التأصيل لفكرة علوها على القانون الدولي والشرائع الحاكمة للتعامل بين الدول.
طبعاً، لا يمكن التغافل عن السؤال البديهي الذي تفرضه مثل هذه الممارسات، وهو: ما سند إسرائيل في مثل هذه التجاوزات؟ وهو سؤال يحيل إلى ما هو أكبر منه في الأحداث الجارية ويتصل بوقائع ممتدة منذ بدأ النزاع العربي الإسرائيلي على أرض فلسطين ثم خارجها.
ومن السهل استعادة مناسبات لا حصر لها هدمت فيها إسرائيل كل ثوابت التعامل الدولي، وأمعنت من خلالها في الاستهانة بقرارات دولية والالتفاف عليها هرباً من تنفيذها حين تنتصر للحق العربي، لكنها تحتفي بها وترفعها في وجه مناهضيها إذا كانت في مصلحتها.
على أية حال، إذا ما قصرنا الأمر على الأحداث الجارية في المنطقة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 انطلاقاً من غزة، فإن إسرائيل لا تضيع فرصة لتغييب القانون الدولي وإهانة ممثليه والقائمين على إنفاذه، وهي تفعل ذلك مطمئنة بشكل خاص إلى الصمت الأمريكي، إن لم يكن التشجيع، واكتفاء بقية القوى الكبرى بالتنديد والشجب.
وليس تحذير المتحدث باسم قوة «اليونيفيل» من اندلاع «نزاع أقليمي له آثار كارثية على الجميع» هو الأول لمسؤول أممي منذ بداية حرب غزة، وهو ثمرة الاعتداءات الإسرائيلية على جنود القوة الأممية، والتي لا تمثل أحداثاً عابرة أو أخطاء وقعت في غمرة الاعتداء على لبنان، وإنما هدفها، مرة أخرى، الاستهزاء بالمنظمات الدولية.
سبق ذلك اعتبار إسرائيل أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، شخصاً غير مرغوب فيه، ما يعني فعلياً منعه من دخولها، بزعم دعمه للمنظمات الإرهابية، اعتراضاً على صيغة إدانته للهجوم الإيراني على إسرائيل.
وكان هذا التصرف سابقة في تاريخ علاقة إسرائيل بالأمم المتحدة من حيث طبيعته، لكن مغزاه كان مسبوقاً في صورة منع الحكومة الإسرائيلية فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من الحصول على تأشيرة دخول في إبريل/ نيسان الماضي، وكذلك مع جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، كشف فيليب لازاريني، مفوض عام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقف إسرائيل منح تأشيرات لرؤساء منظمات دولية غير حكومية وموظفيها، وهو استمرار للرغبة الإسرائيلية منذ بدء حرب غزة في إبعاد من يحتمل أن يجاهر بشهادة عن الفظائع المرتكبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
و«الأونروا» تحديداً بطلة فصل طويل من الاستهداف الإسرائيلي، بدءاً من اتهام موظفين فيها بدعم «حماس» والاشتراك في «طوفان الأقصى»، ما أفضى إلى وقف دول غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة، تمويلها الوكالة، من دون التثبت من حقيقة الاتهام.
استهداف الوكالة تكرر بأكثر من صيغة، وقتل ممثلي جهات تساعد الفلسطينيين في غزة، حتى وصلنا إلى الاعتداء على «اليونيفيل» تجديداً لفكرة أن إسرائيل أقوى من الجميع.
[email protected]
0 تعليق