مزالق ثقافة أرخبيل الجزر - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

أليس عجيباً أن تتكرر أخطاء التنمية في الثقافة؟ أراد القلم استخدام الثقافة بأوسع مفهوم، لكون ميادين الحياة العامة عناصر مكوّنةً وناجمةً عن ثقافة معيّنة وتفكير بعينه وسلوك ذهني وذوقي ونفسي محدّد. الاختلالات التي تظهر أعراضها وأمراضها في التنمية، يوجد لزاماً ما يماثلها في مكوّنات الثقافة.
لكي يسهل الاتفاق على المنطلق، نضرب مثلاً مدوّياً: سقوط الاتحاد السوفييتي. ضع التحليلات جانباً، فقاصمة الظهر هي الأهمّ: انتهت الدولة إلى إنفاق 71% من الميزانية في التسلح، فهل تكفي 29% لكل القطاعات الحيوية الأخرى؟ لا تستقيم التنمية ولا يقوم النمو. ميزانية فُتاتيّة كهذه، تذكّرك بالدعابة البَيْرميّة الطريفة: «يا بائع الفجل بالملّيم واحدةً.. كم للعيال وكم للمجلس البلدي؟»
حتى عندما يتحدث الخبراء عن الاقتصاد، يمرّون على التفاصيل الأساسية غير مكترثين، لكونها في نظرهم بديهيات، في حين أن ما يجب إدراكه، في التنميات المتعثرة، هو أنه لا يمكن النهوض بالاقتصاد، من دون تطوير التعليم وإقامة مراكز البحث العلمي، وربط التعليم بالتنمية الشاملة، وتحديث البنى التحتية، ومدّ الجسور بين قطاعات الإنتاج والجامعات ومجالات البحوث...
التنميات المتعثرة، في جلّ البلدان العربية، علّتها هي تجزئة ميادين التنمية، وعدم النظر إلى أن الجسم لا يمكن إهمال أيّ عضو فيه. هل يظن عاقل أن تلك الدول ليس لها متخصّصون في التحليل السياسي والاقتصادي؟ لديهم أساتذة اقتصاد وعلوم سياسية واجتماعية، بينما لا نرى لهم ذرّة أثر في حياة تلك الشعوب، المثقلة بالبطالة والمديونية والافتقار إلى أبسط ضروريات الحياة؟ حتى بُعيد الحرب العالمية الثانية، كانت البلاد العربية أحسن حالاً من الصين وكوريا الجنوبية بكثير. هل تذكر بيت الطغرائي: «تقدّمتني أناسٌ كان شوطهمو.. وراء خطوي إذا أمشي على مَهلِ»؟ 
تلك المفارقات في التنمية، المشهودة في نموذج أرخبيل الجزر، لا تنجو من التجزيئية حتى في ميادين الثقافة. لا نرى عملاً مشتركاً بين الموسيقيين والشعراء والأدباء والتشكيليين. الأنكى أن المفكرين العرب لم يسعوا إلى رعاية الفنون وتوجيهها، لهذا ظلت بعيدةً من الفكر حتى في عقود الأساطين. في أوروبا كانت موسيقى الباروك متناغمةً في طرائق بنيانها مع فن العمارة القوطية. تألّق الفلاسفة، هيغل، كانط، شوبنهاور، نيتشه.. بتأثيرهم الجمّ في إثراء الفن. النموذج الأرخبيلي أورث العرب ندرة الجودة، في خضم هبوط بالجملة في الفنون.
لزوم ما يلزم: النتيجة التوفيقية: التنمية الشاملة تعني نهوض جميع القطاعات معاً. الثقافة الشاملة كذلك. الجسم لا يتجزأ.

abuzzabaed@gmail. com

أخبار ذات صلة

0 تعليق