ليست مجرد عملية عسكرية.. إنها حرب إسرائيلية على المخيمات الفلسطينية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. حرب تتجاوز في أهدافها البعد العسكري من قتل وتهجير وتدمير ممنهج إلى ما هو سياسي يبدأ
ب «محو المخيمات» من الوجود وصولاً لتحقيق أهداف أبعد مدى وأكثر خطورة.
تذكرنا عملية «السور الحديدي» كما يطلق عليها الإسرائيليون، بعملية «السور الواقي» عام 2002، بل ربما تشكل استكمالاً لها، مع فارق واحد هو أن الاجتياحات الإسرائيلية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، في ذلك الوقت بكل ما أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية من خراب ودمار كانت تستهدف إخماد الانتفاضة الفلسطينية الثانية آنذاك. ومع ذلك، فإن مشهد الدمار المخيف الذي يحدث الآن يختلف عن كل ما سبقه، إذ ليس صدفة أن يتم تحويل مخيمات شمال الضفة إلى «غزة صغرى»، كما توعدت إسرائيل، وليس صدفة أيضاً أن تبدأ إسرائيل حربها التدميرية في تلك المناطق بعد ثلاثة أيام من بدء سريان هدنة غزة. فالقوة العسكرية الإسرائيلية التي تم حشدها من جنود وطائرات ومسيرات وأخيراً دبابات لا تشي بأن العملية العسكرية تستهدف فقط مقاتلين فلسطينيين سرعان ما اختفوا بعد قتال الأيام الأولى بسبب الخلل الهائل في موازين القوى، لتبدأ بعدها مرحلة التدمير والتهجير. وهي مرحلة لا تزال مستمرة حتى بعد خلو المخيمات من سكانها، حيث يجري استنساخ تجربة غزة، من تدمير للبنى التحتية وهدم للمربعات السكنية وشق للشوارع الواسعة، وإقامة قواعد عسكرية ثابتة فيها على غرار «محور نتساريم».
وقد بات من الواضح، أن العملية برمتها جاءت بمثابة هدية لإرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف على خلفية رفضه لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإشباع رغبته في تهجير الفلسطينيين، حيث هجر حتى الآن ما يناهز الخمسين ألفاً في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة، تمهيداً للاستيطان، وهو ما يفسر قرارات المستوى السياسي الإسرائيلي بمنع سكان هذه المخيمات من العودة إليها. غير أنه لا يقتصر على هذا الحد، فالمخيمات بما تحمله من إرث يؤرخ للنكبة الفلسطينية ويظل شاهداً عليها، يؤرق الإسرائيليين، الذين يعتقدون، من ناحية، أن محوها من الوجود يسهم في شطبها من الذاكرة الفلسطينية. ومن ناحية ثانية، ليس صدفة أن يترافق تدمير هذه المخيمات التي تحتضن وكالة «الأونروا» مع الحرب الإسرائيلية على الوكالة باعتبارها الشاهد الدولي الوحيد على نكبة عام 1948، والمكلفة بالإشراف على تنفيذ حق الفلسطينيين في العودة وفق قرارات الأمم المتحدة.
بهذا المعنى فإن الأمر لا يتوقف على «إبادة» مخيمات الشمال كجزء من حرب الإبادة الشاملة على الفلسطينيين، وإنما يطال كل المخيمات في الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب وهي كلها باتت مرشحة لملاقاة المصير نفسه، ما لم يتحرك المجتمع الدولي بقوة لوقف هذه الحرب التدميرية، خصوصاً أن تنفيذ خطط الضم والتهجير المعدة سلفاً بات على الأبواب.
[email protected]
0 تعليق