انسحاب أمريكا من الأمم المتحدة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يشهد العالم اليوم حدثاً سياسياً لا مثيل له من قبل، حيث يبرهن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للساسة في العالم أن سياسة اللامعقول قد تُشكل المستقبل السياسي والاقتصادي لأكبر دولة في العالم، في عالم يموج بالتحديات والصراعات، ولا جدال أن هذه السياسة تهدف إلى الهيمنة على العالم ومن دون شك أن هذه القرارات لا تؤثر على مستقبل الولايات المتحدة وحدها، بل على الحلفاء وربما العالم أجمع. ففي خطوة بالغة الخطورة وقع الرئيس الأمريكي، الأسبوع الماضي، أمراً تنفيذياً يقضي بإعادة تقييم مشاركة الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة، بدعوى أن المنظمة «سيئة الإدارة ولا تقوم بعملها».
وقد قدم السيناتور مايك لي، جمهوري من ولاية يوتا، مشروع قانون يسمى قانون فك الارتباط تماماً بكارثة الأمم المتحدة والذي من شأنه إنهاء عضوية الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، وإنهاء تمويل تلك المجموعات. ويمنع القانون إعادة الانضمام إلى المنظمة دون موافقة مجلس الشيوخ. إضافة إلى ذلك، سيتم فرض حظر على مشاركة الولايات المتحدة في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقال السيناتور مايك لي: «إن الأمم المتحدة أصبحت» منصة للطغاة «لشن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها وقال إنها تستخدم الأموال الأمريكية «لتقويض» المصالح الأمريكية وتعزيز قوة خصومها. وهذا النقد للأمم المتحدة هدفه التغطية على السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك الانسحاب، ألا وهو التخلص من أي قيد أو التزام دولي يمنع الولايات المتحدة من شن هجوم مسبق على دولة عدوة، ربما في الأفق، أو في السنوات القليلة المقبلة.
وعندما نعود بالتاريخ إلى أكتوبر عام 1933، وبعد حوالي تسعة أشهر من تعيين أدولف هتلر مستشاراً لألمانيا، أعلنت الحكومة الألمانية انسحابها من عُصبة الأمم وكان السبب الظاهري لذلك هو رفض القوى الغربية الإذعان لمطالب ألمانيا في التكافؤ العسكري، فقد أخطر وزير الخارجية كونستانتين هيرمان كارل فرايهر فون، آنذاك، الأمين العام لعصبة الأمم، جوزيف أفينول، بانسحاب ألمانيا وقد منحت القيادة الألمانية لنفسها الفرصة لتحقيق مشروعها في السيطرة على أوروبا. فبدأ النزاع العسكري وبلغ ذروته باجتياح ألمانيا لدولة بولندا، حيث أعلنت، آنذاك، كل من المملكة المتحدة وفرنسا الحرب على ألمانيا، وظهرت أفكار الحلفاء لعالم ما بعد الحرب في إعلان لندن لعام 1941، انطلاقاً من رؤية الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت القائمة على مبدأ «رجال الشرطة الأربعة»، حيث تقود الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي والصين، النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. وستتولى هذه الدول، مع إضافة فرنسا، المقاعد الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي مؤتمر يالطا الذي حضره الرئيس الأمريكي روزفلت والزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، تم اقتراح أن الأعضاء الدائمين لديهم حق النقض. كما بدأوا من يالطا في إرسال دعوات إلى مؤتمر سان فرانسيسكو حول التنظيم الدولي فتمت دعوة ست وأربعين دولة وأعلنت جميع تلك الدول الحرب على ألمانيا واليابان، بعد أن وقعت على إعلان الأمم المتحدة.
ومنذ ذلك الحين ظلت الولايات المتحدة تقدم الدعم لهذه المنظمة أكثر من غيرها، حيث تبرعت بأكثر من 18 مليار دولار العام الماضي وفقاً لمؤسسة مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية للسياسة الخارجية. وهذا يشكل ما يقرب من ثلث الميزانية الجماعية للأمم المتحدة بالكامل. ومع التغيرات التي حدثت في العالم في العقدين الأخيرين، فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف الضعف حيث لم تعد قادرة على حفظ وجودها كقوة عالمية عظمى مؤثرة، بل بدأت تسابقها قوى عظمى أخرى جديدة تطمح إلى إيجاد عالم متعدد الأقطاب يخلو من هيمنة قوة وحيدة، ولم يعد بوسع الولايات المتحدة السيطرة على قرارات الأمم المتحدة، التي انضمت إليها دول كثيرة جديدة بعد انتهاء الاستعمار الغربي في العالم. وقد أصبح لهذه الدول أدوار مؤثرة في القضايا الدولية، ولم تعد تهتم برأي الولايات المتحدة. وهذا أمر لم يعد ينسجم مع النظرة لتلك المنظمة منذ البداية والتي تم إنشاؤها لرعاية المصالح الأمريكية حول العالم وليس لتدميرها.
وقد كانت هيمنة الولايات المتحدة دائماً مدعومة بثلاثة ركائز: «القوة الاقتصادية والقوة العسكرية والقوة الناعمة للهيمنة الثقافية». ويمثل الإنفاق العسكري الكبير السبب الأساسي لتراجع الولايات المتحدة، فقد دخلت الولايات المتحدة في صراع متعدد الأشكال مع الاتحاد السوفييتي السابق ودخلت في حروب في كوريا وفيتنام، وحديثاً في أفغانستان والعراق وقدرت خسائرها في هاتين الحربين بنحو أربعة ونصف تريليون دولار، كما أن الانتشار العسكري الواسع في العالم أدى لاستنزاف الموازنة، حيث يوجد هناك ثماني وثلاثين منشأة أمريكية كبيرة ومتوسطة الحجم منتشرة في جميع أنحاء العالم، معظمها قواعد جوية وبحرية.
لقد أدركت الولايات المتحدة أن المنظمة الدولية باتت عبئاً عليها، لذا فهي تسعى لصياغة عالم جديد يتوافق مع إرادتها وخروجها من تلك المنظمة سيحررها من كل المواثيق والمعاهدات الدولية وبالتالي سوف يكون بمقدورها التحرك سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ضد الدول التي تنازعها السيطرة على العالم.

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق