بين القرب والمسافة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

العلاقات الاجتماعية تشكّل جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، فهي تربطنا بالآخرين وتحدد طبيعة تواصلنا معهم، لكن هذه العلاقات، مهما كانت قريبة أو متينة، تحتاج إلى حدود واضحة تحفظ التوازن بين القرب والخصوصية، بين المشاركة والاستقلالية، فكثيراً ما نجد أنفسنا في مواقف تجعلنا نتساءل: متى يجب أن نضع حداً؟ وأين تنتهي مساحة الآخرين وتبدأ مساحتنا الشخصية؟
منذ الطفولة، نتعلم أهمية التفاعل مع الآخرين، وكيف أن العيش ضمن مجتمع يعني تبادل المشاعر، والدعم، وحتى تحمل الاختلافات، لكن مع مرور الوقت، ندرك أن العلاقات الصحية لا تعني الذوبان في الآخر، بل تحتاج إلى إطار يحافظ على راحة الطرفين، فعدم وجود هذه الحدود قد يؤدي إلى الشعور بالضغط أو الاستنزاف العاطفي، حيث نجد أنفسنا مرهقين من محاولات إرضاء الجميع أو التعامل مع تدخلات غير مرغوبة في حياتنا الشخصية.
حدود العلاقات لا تعني الانعزال أو رفض الآخرين، بل تعني إدراك المسافة المناسبة التي تحافظ على احترام الذات والآخرين في آن واحد، في بعض الأحيان، يكون التجاوز غير مقصود، يأتي بحسن نية، لكنه يخلق شعوراً بعدم الراحة، كأن يطرح عليك سؤال شخصي لا تود الإجابة عنه، أو يتم التدخل في قراراتك من باب الاهتمام، هنا تأتي أهمية التعبير بوضوح عما هو مقبول وما هو غير ذلك، دون خوف من إفساد العلاقة أو جرح المشاعر.
في العصر الحالي، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الحدود أكثر تعقيداً، فالمساحات الخاصة باتت مشاعاً للجميع، وأصبح من السهل التطفل على حياة الآخرين أو حتى الحكم عليهم بناء على لحظات مقتطعة من يومياتهم، وهنا تبرز الحاجة إلى وضع حدود واضحة، ليس فقط في التفاعل الواقعي، ولكن أيضاً في المساحات الرقمية، حيث يجب أن نحدد بدقة ما نشارك به، ومع من، وبأي طريقة.
لكن كيف يمكننا تحقيق ذلك دون أن نبدو وكأننا نبعد الآخرين عنا؟
المفتاح يكمن في الصراحة والاتزان، من المهم أن نكون واضحين مع أنفسنا أولاً، أن نحدد ما يريحنا وما يزعجنا، ثم نكون قادرين على توصيل ذلك بطريقة لطيفة، ولكن حازمة، قول «لا» لا يعني الجفاء، وطلب المساحة الخاصة لا يعني قلة الاهتمام، بالعكس، كلما كانت الحدود واضحة، أصبحت العلاقات أكثر نضجاً وصحة.
العلاقات الاجتماعية ليست سباقاً لكسب ود الجميع، بل هي تفاعل متوازن يقوم على الاحترام المتبادل، وعندما ندرك أن وضع الحدود لا يعني الانفصال، بل يعني بناء علاقات أكثر صدقاً وراحة، سنجد أنفسنا أكثر قدرة على الاستمتاع بهذه الروابط، دون أن نشعر بأنها عبء علينا.

[email protected]

www.shaimaalmarzooqi.com

أخبار ذات صلة

0 تعليق