وطن مالك حدّاد العربي ومنفاه الفرنسي - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

يُنْقَل دائماً عن الكاتب الجزائري مالك حداد عبارته المعروفة: «اللغة العربية وطني، والفرنسية منفاي»، ولعلّ هذه العبارة أقدم بكثير من الكتّاب الفرانكفونيين الذين انقلبت المعادلة عند بعضهم، فأصبحت الفرنسية وطنهم، والعربية منفاهم الذي يتنقّلون به أيضاً بين لغات العالم مثل حقيبة زائدة عن الوزن، ولكنها محمولة على الظهر، ولا شيء فيها سوى سقط المتاع والعربية، ليست حقيبة، مثلما هو الوطن ليس حقيبة أيضاً كما يقول محمود درويش، العربية أم ووطن، ولعلّ الكثيرين ممن قرؤوا سيرة حياة الشاعر رسول حمزاتوف يتذكرون الحكاية التي رواها عن تلك المرأة الداغستانية التي كانت تسأل أحدهم عن ابنها المهاجر إلى إحدى البلدان البعيدة عن بلادها ولغتها (الآفارية).. وقالت له تسأل عن ابنها: كيف أحواله؟ أهو في صحة جيدة؟ فقال لها الرجل إن ابنها على خير ما يرام وقد رآه بكامل عافيته. فقالت له: وَبِمَ تحدثتما حين التقيته؟ أكنتما تتحدثان بلغة تلك البلاد أو بلغة داغستان؟ فقال لها الرجل: الحقيقة أن ابنك كان يتحدث معي بالإنجليزية. وهنا، وجمت تلك المرأة العجوز، واصفرّ وجهها، وقالت: إن ولدي ذاك كان قد مات منذ زمن بعيد.
تذكرت حكاية تلك المرأة «الآفارية»، نسبة إلى اللغة الآفارية لغة داغستان، أو لغة تلك المرأة العجوز، وتذكرت أيضاً بعض الكتّاب الفرانكفونيين من أصول عربية الذين صارت العربية منفاهم، والفرنسية وطنهم، حين عثرت على كتاب قديم هو رواية نادرة لمالك حدّاد: «ليس في رصيف الأزهار من يجيب». وقد نقلها إلى العربية: ذوقان قرقوط، وصدرت عن الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر في عام 1970، وكانت دار غاليمار للنشر في باريس قد نشرت الرواية بالفرنسية، في عام 1961.
كتاب نادر حقاً. لا أعرف من أين كنت اشتريته، وفي أي مرحلة عمرية من القراءة جاءت هذه الرواية التي تقع في 125 صفحة من القطع الوسط، وكان ثمنها آنذاك (20 قرشاً) مصرياً، في الزمن العربي الذي كان يُقال عنه: «مصر تكتب، وبيروت تطبع، والعراق يقرأ».
تقع الرواية في 29 فصلاً مرقّماً، وطالما أنني بدأت هذا المقال عن الوطن الذي هو اللغة الأم، والمنفى الذي هو لغة الآخر ولغة البلدان الأخرى، فسوف أنقل سطوراً أو شذرات سريعة قصيرة من الرواية، وقد جاءت في الفصل رقم (4) وبدأت بعنوان «المنفى»: يقول مالك حدّاد: «باريس هي عادة سيئة يجب على المرء أن يعتادها».. «التاريخ، التاريخ نفسه لا يُكتب إلّا الماضي».. «القيادة والكتابة هما شيء واحد.. أليس كذلك؟».. «إن أسوا ما يمكن أن يحيق بالإنسان هو إشباع رغباته».
في الرواية شيء من فرنسا، وفيها شيء من الجزائر. كُتِبَتْ بالفرنسية لكن روح النصّ كلّه عربية. اللغة عربية قبل الترجمة وبعدها.
وإذا كانت اللغة وطناً حيناً، وحيناً آخر هي منفى، فإن الكتابة وطن. الرواية مدينة، والشعر رصيف أزهار.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق