عبدالله السويجي
جاء تخصيص يوم إماراتي للتعليم في أوانه تماماً، والأجمل أنه أتى بتوجيه سامٍ من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بحيث يكون الثامن والعشرون من فبراير هو اليوم الذي يُحتفى فيه بالتعليم في الإمارات، ولهذا دلالات مهمّة. فالتوجيه صدر من أعلى قمة في دولة الإمارات، وهذا يعني أن القيادة سبّاقة في المبادرة، وأن التعليم يشغل حيّزاً كبيراً من اهتمامات صاحب القرار، من حيث تعزيزه وتطويره ليصبح مستداماً، ويخاطب المستقبل، ويستند إلى المنجز التكنولوجي والتقني لثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصال، ما يعني أيضاً أن الحداثة تفكير منهجي وعلمي واستراتيجي في الميدان التعليمي، كما هي في الميادين الأخرى.
والدلالة الثانية تتعلق بالتوقيت المهم، الذي يعكس الأصالة والمحافظة على إنجازات الروّاد، فقد قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وإخوانه حكّام الإمارات في الثامن والعشرين من فبراير من العام 1982، بتخريج أول دفعة من المعلمين في جامعة الإمارات، وهكذا يكون للتوقيت معنى مضاف وقيمة إضافية، ويربط بين الأصالة والمعاصرة، وهذا المبدأ هو الذي سارت عليه وطبّقته دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها حتى اليوم.
ويأتي توجيه صاحب السمو رئيس الدولة في إطلاق اليوم الإماراتي للتعليم لأول مرة، في ظروف شديدة الوضوح والتعقيد في الوقت ذاته، ووضوحه ينبع من قراءة صحيحة ودقيقة للعصر الذي تحيا فيه دولة الإمارات، وهو عصر التكنولوجيا والتقنيات المتطورة بامتياز، وتم تتويج هذا العصر بالذكاء الاصطناعي، الذي لا يزال محل نقاش وجدل بين أصحاب الاختصاص، وخاصة التربويين والمعلّمين والمبدعين في الجانبين، ويأتي في ظروف «معقّدة»، وهي الظروف نفسها التي وصفناها «بالواضحة»، والتعقيد ينبثق من الجدل القائم بين التربويين أنفسهم، بشأن كيفيه الاستفادة من التكنولوجيا في الميدان التعليمي، وإلى أي مدى يجب السماح بتوظيف التقنيات، والأجهزة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي في التعليم، أو في تقييم المتعلمين، وقبل ذلك في اختبارهم.
ولا يخفى على أحد أن الآلات الحاسبة حين أصبحت متاحة للطلبة في الفصول وفي مساقات الرياضيات والحساب، خلقت جدلاً بين الاختصاصيين في المجال التربوي والتعليمي، ولا يزال هذا الجدل قائماً حتى اليوم، رغم أن دولاً كثيرة في العالم حسمته، وبات الأمر عادياً واعتيادياً أن يستخدم الطالب الآلات الحاسبة في أوقات الامتحانات، وكذلك الأمر بالنسبة للذكاء الاصطناعي وبرامجه، وخاصة برامج الدردشة وصناعة المحتوى، ولا نتحدث هنا عن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحوث العلمية والمختبرات أو في المعاملات وتطوير البرامج ذاتها، إنما نتحدّث عن القدرة الخلاّقة للطالب أو الباحث في صناعة المحتوى، أو حل الواجبات المنزلية، أو كتابة القصص.
وسنتطرق في ما بعد إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المواد الإبداعية، كالقصص والروايات، والأشعار، ولهذا، وبإدراك فائق، استخدم صاحب السمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في تغريدته على منصة إكس، عبارة (استثمار الذكاء الاصطناعي«المسؤول»، بما يتّسق مع أهدافنا التنموية، هو طريقنا نحو المستقبل الأفضل الذي نسعى إليه لوطننا وشعبنا..)، ومفردة«المسؤول» مهمة جداً في هذا السياق، أي استخدامه، بما يحافظ على الابتكار والقدرات البشرية في التنمية والتطوير وتعزيز المهارات، أي إعطاء الأولوية للعقل البشري في الإبداع، بحيث يسيّر هذا العقل الذكاء الاصطناعي ولا يحدث العكس، وبذلك، تأتي كلمة«المسؤول» ميثاق شرف بين المستخدم والتقنية، أي الذكاء الاصطناعي.
ويضاف إلى هذا الجدل قضايا أخرى تعليمية لا يزال النقاش حولها محتدماً، مثل، هل التعليم من أجل العمل أو من أجل العلم؟ هل الحفظ والتلقين ما زالا مطلوبين، أم الأهم هو الفهم والإدراك والاستيعاب؟ وهناك نقاش آخر لا يقل أهميّة عمّا سبق ويتعلق بمحور العملية التعليمية، هل هو الطالب أو المعلّم؟ ونقاش آخر حول دور الأسرة في العملية التعليمية، هل يتدخل الأهل في العملية التعليمية أم يتركون الأمر للهيئتين التعليمية والإدارية، خاصة أن المناهج الحديثة «المعقّدة» والمتطوّرة، قد تفوق التحصيل العلمي لبعض أولياء الأمور، لا سيّما لغة التعليم، التي أصبحت لغة غير عربية في كثير من المؤسسات التعليمية.
ونقاش آخر بشأن الواجبات المنزلية، هل يتم إنجازها في المدرسة، أم تُؤخذ إلى البيت؟ وهل وقت التلميذ في البيت هو ملكه أم ملك المدرسة والمنهج التعليمي؟ طبعاً البعض ينادي بجعل الوقت خارج المدرسة ملكاً للطالب، بحيث يعطيه الفرصة لقراءات خارجية ونشاطات أخرى. كل تلك المحاور لا تزال محل نقاش، خاصة الواجبات المنزلية، إذ، وعلى الرغم من تطور المناهج، وبقاء الطالب لساعات طويلة في الحرم المدرسي، إلا أنه يحمل إلى البيت معه ما يُثقل كاهله، فلا يجد وقتاً لممارسة أي هواية أخرى.
اليوم الإماراتي للتعليم فرصة ذهبية لإعادة التفكير، أو مواصلة عصف الأفكار بالمحاور آنفة الذكر، ولا شك أن النقاش سيكون نوعياً بسبب وجود خبرات محلية وعالمية تعمل في ميدان التعليم في الإمارات، وبعض القضايا أخذت طريقها للاستقرار، وبعضها لا يزال موضع بحث ونقاش.
[email protected]
0 تعليق